?>

سؤال إحداث المجلس الوطني لهيئات المحامين

324343285_1485908615234184_7741127516562998093_n

المدخل

منذ ما يزيد عن  10  سنوات مضت، والحديث يدور حول ضرورة وضع قانون جديد لمهنة المحاماة  يفتح أفق تطورها نحو إقامة حكامة  مهنية في أفق بناء محامي الغد.
وفي هذا السياق،  توصلت بدعوة من السيد نقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء، للمشاركة في ندوة نظمتها هيئته تحت شعار “قانون مهنة المحاماة: رهانات وتحديات”  بمداخلة في موضوع “موقع إحداث المجلس الوطني للمحامين”،  كما جاء في مسودة مشروع  قانون  مهيئ من طرف وزارة العدل وموزع على كافة الهيئات.
وساهمت بمداخلة متواضعة ضمنتها بعض الافكار، قد تساعد في إغناء النقاش والوصول إلى صيغ توافقية.

كمدخل، وقبل الدخول  في الموضوع، أود إثارة التحذيرات التالية:

التحذير الأول:  التجميع أو التجزيء

الوضع التنظيمي لهيئات المحامين بالمغرب (17 هيئة)  مستقلة بعضها عن بعض، ومستقلة عن جميع السلطات،  وتعمل وفق قوانينها وأنظمتها وأعرافها وتقاليدها من خلال مؤسسة النقيب ومؤسسة المجلس والهيئة ومؤسسة الجمعية العامة،  بجانب ما أنتجته من أدوات تقنية لتحقيق بعض الأهداف المرسومة، ذات طابع اجتماعي، وما أنتجته الجمعية العمومية من أدوات أخرى للتعبير عن الرأي وبلورة المطالب المهنية، من خلال عدد لا يستهان به من الجمعيات والإطارات والتنسيقيات، … وغيرها.

ساعد في ذلك تطور أدوات وآليات التواصل الالكتروني المتعددة،  وعلى مستوى التنسيق العام، أحدثت جمعية هيئات المحامين بالمغرب منذ بداية الستينات كأداة للتنسيق وتعبئة المحامين وهيئاتهم لإنجاز المتطلبات المرحلية في مجال الدفاع عن الحريات والحقوق، ثم المساهمة في تنشيط حركة حقوق الإنسان وتأطيرها، والمساهمة كذلك في إنجاز شروط تحقيق المصالحة في مجال الحريات والانخراط في منظومة حقوق الانسان وبناء دولة ديمقراطية.

انتهت هذه المرحلة بخلاصات وإنجازات ورش العدالة الانتقالية التي عرفتها البلاد مع بداية القرن الحالي.

وبعد ذلك،  بدا كأن جمعية هيئات المحامين استنفذت كل مقوماتها، حيث بدأ الضعف يتسلل إليها…  الشيء الذي تناقص معه  موقع المحاماة كسلطة مضادة. وما زال الوضع في تفاقم وتأزم.  مما يضاعف من صعوبة أوضاعها، وتهديد استقلال المحاماة وحرية المهنة ومكتسباتها.
مما جعل استمرار بنيتها التنظيمية على ما هي عليه قد يشكل خطرا عليها، إذا لم تتم المبادرة  إلى إحداث آليات جديدة قادرة على تأطيره وتطويره، ورسم الخطط وتحديد الأهداف لتحقيق حكامة مهنية ذات أفق مستقبلي واعد.
وهنا تظهر أهمية المجلس الوطني كإحدى هذه الأدوات والرافعات الحكاماتية الجيدة.

لتحقيق الوحدة، باعتبارها أداة  فوق التنسيق ترمز لوحدة المحاماة وقوة أجهزتها وتجعلها قادرة على تدبير متطلبات الانتقال الكبير الذي تعرفه البلاد في ظل حرية واستقلال مهنة المحاماة،  بأعرافها وتقاليدها،  وتوفير جو ملائم لتميزها وضبط سلوكات أعضائها، قادرة على قيادة كل الهيئات المماثلة.

التحذير الثاني:  نموذج سليم ومتكامل

هناك نظامان قانونيان يتنازعان العالم، وهما النظام القانوني العام common low الذي يسود في العالم الأنجلوفوني، والنظام المكتوب اللاتيني القاري Droit écrit ou continental،  والذي يسود في معظم الدول الاوروبية.

هذان النظامان يعرفان تنافسا حول تمدد المصالح القارية، وبالخصوص في ظل نظام العولمة الذي أسس لحرية تنقل البضائع والأفراد وانتقال المصالح بدون قيد وفتح الأسواق والتزاحم  والمنافسة الشرسة.

مما جعل الدول الأوروبية تشجع المحامين على فتح المكاتب خارج حدودها،  والانخراط في شبكات مواكبة للتنافسية العالمية من أجل نشر ثقافتها وتوسيع مجالها الاقتصادي وتثمين مقوماتها وضماناتها القانونية والقضائية.

وفي هذا الاطار، عرف المغرب، كغيره من دول الجنوب، زحف عدد لا يستهان به من مكاتب المحاماة من أوروبا ، خصوصا من فرنسا واسبانيا وانجلترا،  والتي تبحث عن إمكانية فتح فروع لها في مختلف مدن المملكة،  في ترقب  تنفيذ المخططات التنموية المعلنة، وما قد تحققه من مكاسب وراءها. مما ترتب  عنه فتح المنافسة  في ميدان المحاماة بشكل لم تعد تؤطره تقاليد وأعراف المهنة الموروثة،  أمام  ما تعارفت عليه الممارسة المهنية من الانضباط إلى قوانينها وأعرافها. الشيء الذي يضر بمصالح المحامين.

وهو ما يتطلب ضرورة معالجة هذا المد، والتنصيص على إلزامية  أن يكون مطابقا لما تحكمه أعراف وتقاليد المهنة من شروط الممارسة.

التحذير الثالث: رهانات تطور الأنظمة الرقمية

وجب الانتباه إلى سرعة تطور التكنولوجيا الحديثة،  ومختلف الأنظمة الرقمية في مجال الخدمات القضائية منها وغير القضائية. الشئ الذي  له انعكاس سريع وواسع على خدمة المحاماة،  وما يترتب عن ذلك  من ضرورة السرعة في التأقلم  والتأهيل في مجال التجهيز واستعمال الوسائط المتعددة، والتأقلم  مع منتوجات الذكاء الاصطناعي.

1-6-730x438

المنطلقات

كل إصلاح لا بد أن تكون له منطلقات سليمة،  ولا بد له من أهداف مرسومة واضحة وبينة. وإلا، سقط  في فخ الظرفية والمرحلية والطابع الاستعجالي،  دون بعد استراتيجي.

وأظن أن من بين المنطلقات يمكن ذكر ما يلي:
1- هناك ضرورة إدماج مهنة المحاماة في فضائها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي.
2 – ضرورة استدراك التراكم الحاصل في سلبيات الممارسة والكشف عن الأسباب الحقيقية، المادية منها والمعنوية والعلمية، والكشف عن سبل ووسائل معالجتها،

3- التأكيد على موقع المحاماة كركيزة مجتمعية أساسية لبناء وتحقيق العدالة.
4 – انخراط المحاماة في إنجاز مشروع دولة الحق والقانون،  كما جاء بها دستور 2011،  ومكانها ودورها في تحقيق الأمن القانوني والأمن القضائي وتوسيع مجال المساعدة القضائية لضمان المساواة أمام القانون.
5 – ضرورة المساهمة في تحسين وتطوير مجال ممارسة العدالة،  ومواكبة مختلف البرامج الاقتصادية وطنيا واقليميا ودوليا، والانخراط في دينامية الانفتاح التي عرفها المغرب.

الأهداف

يصعب أن تضطلع  المحاماة بمهامها القيمية والحضارية والمهنية، إذا لم تتمكن من تحقيق الأهداف التالية:
1 – الاعتراف بطابع وصفة المنفعة العامة لمهنة المحاماة وحمايتها،
2 – دسترتها، كمهنة حرة مستقلة ومحكومة بأعرافها وتقاليدها، وفقا للدستور ووفقا لقوانينها وأنظمتها ووفقا للاتفاقيات الدولية، الثنائية منها والعامة والتي صادق عليها المغرب،  وبالخصوص، اتفاقية فيينا 1969 (سمو وإلزامية المعاهدات الدولية)، اتفاقية الكات GATT لسنة 1994، وتركيز الخدمات القانونية والقضائية على مستوى المحامي على غرار  ما حصل في عدد من الدول،
3 –  قيادة المنظمات المهنية المماثلة والقريبة لتحقيق ديناميكية التنمية ،  والرفع من مستوى الخدمات المؤطرة للحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية،
4 – وضع نظام للحكامة المهنية يضمن مواكبة تطورها الضروري نحو تحقيق وبناء مقومات محامي الغد.

التشخيص

يمكن إجمال الوضع العام الذي أصاب مهنة المحاماة خلال العقدين الماضيين، في:

1 – تطور المجتمع وجمود الآليات المهنية ونظامها،

2 – تزايد الأعداد وتراجع الجودة،

3 – تقهقر دور المحامي واهتزاز المركز الاجتماعي للمحاماة،

4 – تراجع الدور الحقوقي للمحامين أمام الجهاز القضائي وتراجع الاستشارة القانونية في مجالات الحياة العامة،


الأسباب

بجانب الأسباب العامة الاقتصادية منها والاجتماعية وظرفية الأزمة العامة،  وبالخصوص المرتبطة منها بإغراق الفضاء المهني، بغرض تخفيف أزمة التشغيل، واعتباره كملجإ أساسي لخريجي كليات الحقوق والعلوم القانونية، وما لذلك من أثر على ضعف بنيات الاستقبال وضعف التأطير والتأهيل والتوجيه،

بغض النظر عن ذلك،  هناك أسباب خاصة تعودإلى المحامين أنفسهم، وترجع إلى الأنظمة المهنية، ويمكن ذكر بعض منها:

(1) الانقسام على عدة مستويات (انقسام وغياب التعاريف والاختلاف في المفاهيم،  وبالخصوص بين:

النقباء / أعضاء المجالس

المحامون القدامى / الحديثو العهد بالمهنة
الهيئات / الجمعية

(2) تجزئة الأنظمة وكثرة الأدوات التقنية وبنيات الجمعية العامة.

(3) تآكل وتراجع دور جمعية هيئات المحامين، حتى أصبحت أداة بين يد السلطة التنفيذية،

إن هذه الاختلافات والانقسامات تسمح للحكومة باعتماد هذا المكون أو ذاك سياسيا أو تقنيا لتمرير مشاريعها على حساب مصلحة المحامين،  ومشاريع مهنتهم،  خاصة، وأن المحامين وإن كانوا يتعاملون معها بأفضل ما في وسعهم،  فهم مستقلون بطبعهم، وهم غالبا ما  ينتقدون الهيئات الخاصة بهم،  دون أن يدركوا أنهم بإضعاف هيئات مهنتهم،  فهم يضعفون انفسهم.

ومن هذه المنطلقات والأهداف،  ومن تشعب مخاطر التقسيم والتجزيء، يتعين الأخذ بعين الاعتبار عند مراجعة  قانون المهنة، جعل تراكم التجربة،  قوة  دافعة نحو المستقبل، ومشجعة نحو تحديث وعصرنة مهنة المحاماة وتأهيلها، حتى تبقى مهنة ذات رسالة انسانية، حرة مستقلة،  تمارس وفق أعرافها وتقاليدها، وتظل ضرورية للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

89308

مشروع القانون

في اعتقادي أن انتباه المشرع إلى الحاجة إلى إعادة النظر في أجهزة وهيكلة مهنة المحاماة يعتبر مسألة إيجابية قد تساعد في تفعيل التراكم الإيجابي الذي حصل خلال العقود الماضية،  وتفعيل دور المحاماة في المجتمع ودور المحامي في تحسين خدماته القانونية،  باعتبار أن تأسيس المجلس الوطني، بمقتضى القانون كمؤسسة قد تصبح لها صلاحيات واختصاصات يحميها القانون، بجانب صلاحيات الهيئات،  ستمكنه من تدبير كل ما هو عام من أجل تمكين المحاماة من أداء دورها باستمرار، وذلك من خلال الآراء والتقارير التي يصدرها مجلسها الوطني.

لكن الصيغة التي أتى بها المشروع تحتاج إلى مزيد من التدقيق والإفصاح عن النوايا، والجواب عن السؤال:
هل نريد مجلسا وطنيا مستقلا بمهام حماية المحاماة وتنميتها، وجعلها قطبا لتأمين الولوج إلى العدالة، وتوفير حق الدفاع وترسيخ مبدإ المحاكمة العادلة وقرينة البراءة؟

أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد أداة هشة تابعة ومسكنة، لا يختلف دورها عن دور مجرد جمعية في إطار قانون الحريات العامة، كما هو الحال بالنسبة لجمعية هيئات المحامين حاليا؟

وانطلاقا من الرغبة في تمتين دور المجلس الوطني وجعله مؤسسة قادرة على المساهمة في إصلاح المحاماة داخليا وخارجيا، وتطوير ممارساتها وتحسين موقعها ومساهمتها في تطور المجتمع بهيئاته السياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية.

وفي هذا الإطار، كان لابد من التصريح تشريعيا بطابع المنفعة العمومية للمجلس الوطني و صفة الخدمات العمومية لوظيفة المحاماة.

كما يتعين إعطاء قوة تنظيمية ملزمة لقراراته التنظيمية، وذلك بنشرها بالجريدة الرسمية، على غرار المراسيم التطبيقية، خصوصا وأن له دور سيجعله  في موقع يسمح بتأويل النصوص القانونية للمهنة والبث في المنازعات بالدرجة الاستئنافية. وتستأنف قراراته أمام محكمة النقض.

وبصفة عامة، فإن الواجب يقتضي ترشيد مهنة المحاماة وحسن تنظيمها، وبشكل أفضل ويتعين فتح المجال لتعبيرها الواسع عن ذاتها، بشكل أكثر وضوحا، من خلال النقاش العام الدائر خلال الشهرين الماضيين، وهي بذلك ستحمل بشكل أكثر فعالية صوت القانون المغربي في جميع أنحاء البلاد.

ومن الواضح أن قوة وطنية قوية وفعالة ستكون مزعجة ، وسيكون الأمر كذلك بالنسبة للسلطات العمومية من خلال الثقل الذي ستتحمله في المناقشات حول مسودة النصوص، لأن هيئة المحامين هي منارة للتفكير النير، لكونها لا تستعمل أية سلطة، ولكون وجود هذه السلطة القوية هو وحده الذي سيضمن غدا استدامة الهيئات واستقلال المحامين.

لا بد من الاشارة كذلك إلى أن المنظمة الوطنية المنشودة ستجعل النساء والرجال الملتزمين بالعمل في كنفها قادرين أكثر فأكثر على نقل القرارات المتخذة وطنيا نحو جميع الهيئات على المستوى الوطني. مما يتطلب إمكانيات مادية وبشرية لا يستهان بها.

بجانب عدد من التدابير الأخرى التي يمكن أن يتضمنها المشروع في متطلبات الظرف الحالي، يبدو لي من المناسب تقديم بعض المقترحات التالية:

 المقترحات المقدمة

على مسودة مشروع القانون المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة

وتعميما للفائدة، نحيل عليكم نص المداخلة كاملة

بصيغة PDF (انقر هنا)









الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الموقع الرسمي للمستشار البرلماني عبداللطيف أعمو © www.ouammou.net © 2012