?>

تضامنا مع الأستاذ عبد الصمد الإدريسي

parldh

افتتحت جلسة الأسئلة الشفوية ليوم الثلاثاء 8 يناير 2013 بإحاطة من فريق التحالف الاشتراكي على لسان البرلماني عبد اللطيف أعمو حول تعرض الأستاذ عبد الصمد الإدريسي، البرلماني وعضو المكتب التنفيذي لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، لاعتداء على يد قوات الأمن يوم الجمعة 28 دجنبر 2012 أمام البرلمان.

إلى متى ستبقى مظاهر دولة البوليس؟

تعرض الأستاذ عبد الصمد الإدريسي، البرلماني وعضو المكتب التنفيذي لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، لاعتداء على يد قوات الأمن يوم الجمعة 28 دجنبر 2012 أمام البرلمان. هذه الواقعة تؤكد أن قوات الأمن ما تزال تشتغل في غياب أي التزام بمقتضيات القانون وبضوابط الدستور، وتحمل في طياتها مؤشرا عن بقايا مقومات الدولة البوليسية في نظامنا السياسي، وهو ما يقض مضجع كل الفاعلين والمهتمين بالشأن السياسي والحقوقي في البلاد، ويحق أن تكون حكومة السيد عبد الإله بنكيران في مقدمتهم. لأن المغاربة أجمعوا على أنهم يريدون نظاما سياسيا حداثيا ديمقراطيا نموذجيا.

فهل نحن بحاجة إلى التذكير بمقتضيات الفصل الثاني في الدستور ، والذي ينص على أن ” السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها. تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم.”

وهل نحن بحاجة إلى التذكير بمقتضيات الفصل 22 من الدستور الذي ينص على أنه ” لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة”. و” لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية”.

أمام هذا التحدي يبقى التساؤل:

أليس من العار أن يتفوه باشا مسؤول في حق برلماني بألفاظ نابية وحقيرة تتجاوز شخصه إلى الاحتقار الواضح والمهين للمؤسسة البرلمانية التي انتخبها الشعب؟

أليس من العار ، ومن الجرم أن يقوم رجال الأمن بأمر حضوري من قادتهم بركل وضرب وجر برلماني وتمزيق ثيابه، لا لشئ إلا لأنه قام بواجبه في لفت الانتباه ووقف مهزلة المس بالسلامة الجسدية والمعنوية في حق الأشخاص الأبرياء والمعاملة القاسية والحقيرة للإنسان، وإهانته والمس بكرامته علانية أمام قبة البرلمان؟

إن التظاهر السلمي حق أقره الدستور باعتباره وسيلة مشروعة لإبداء الرأي والاحتجاج، وأقره العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه المغرب، وتؤطره السلطات العمومية بمقتضى القانون ، وبشكل سليم، حتى لا يكون مطية للمساس بالأمن العام.

وبالمقابل، فإن من واجب السلطة التشريعية، انطلاقا من وظيفتها التمثيلية ، أن تراقب الممارسات الغير المشروعة لرجال الأمن، التي تعتبر خرقا للقانون واعتداء على الأفراد في كرامتهم وفي سلامتهم، وتمارس ذلك بكل الوسائل، داخل البرلمان، من خلال عمل اللجن وأدوات المسائلة، وخارج البرلمان، من خلال سلوك البرلماني اليقظ الحارس والحريص على التوازن الإيجابي للسلطات بين أجهزة الدولة والمجتمع المدني وقوى السوق.

ربما أن كثيرا من الناس، وفي مقدمتهم المسؤولون الأمنيون، لا يعرفون، أو لا يريدون أن يعرفوا، أن أدوات تأطير العمل البرلماني تتجلى في مفهوم الإسنادية والشفافية والمشاركة، من خلال ممارسة البرلمانيين لوظيفة التمثيلية والمراقبة والتشريع، وفي كيفية تفعيل تلك الأدوات من أجل الرقي بالتجربة البرلمانية وترسيخ الديمقراطية والحكامة السياسية.

إن الإسنادية imputabilité تعترف بضرورة خدمة أصحاب القرار والسلطة للمواطنين (السلطة في خدمة المواطن) وبإلزامية محاسبة المواطنين لمالكي السلطة والقرار وليس  العكس .

وهي مؤشر عن ازدهار وتطور المجتمعات التي تتوفر فيها شروط التوازن الإيجابي للسلطات، دون أن تستحوذ أي من هاته المؤسسات لوحدها على وسائل مراقبة ديناميكية المجتمع،  لأن هذه المراقبة ليست حكرا على السلطة التنفيذية وحدها، وأحرى أن تكون مجالا خاصا وحكرا على رجال الأمن، بل هي في صميم وظيفة السلطة التشريعية كذلك. ونفس الإلزامية تسري على علاقات مؤسسات الدولة فيما بينها.

وحين يتم الإخلال بالتوازنات بين السلط، فإنه يترتب عن ذلك  في آخر المطاف  إضعاف  عنصر الإسنادية والتقليص من فعاليته، كلما تمكنت سلطة من سلطات الدولة من الاستحواذ  على أحقية ضبط  التوازنات لوحدها والهيمنة على مراقبة السلطات الأخرى.

إن التساؤل المهم يتعلق بضرورة ضبط الحكامة في عهد الحكومة الحالية، التي أسست برنامجها الحكومي وتوافقات أغلبيتها على موضوع الحكامة في جميع المجالات، مع إعطاء الأولوية لمحاربة الفساد بجميع مظاهره وتجلياته.

أفليس هناك فساد أقوى وأفظع من تطاول أيادي القمع بوسائل مهينة وغير أخلاقية على ممثل للأمة، وأحرى حين يتدخل في خضم وقوع جريمة العنف ضد المواطنين من أجل الحيلولة دون استفحالها، وحتى بعد الإعلان عن هويته والتأكد منها؟ أليس هناك أقوى من ارتكاب جريمة أفظع في حقه أمام الملإ، وبكل تبجج وتكبر وغلو، والإعلان عن الاحتقار  وعدم الاعتراف بوجود مؤسسة تسمى البرلمان بهذا البلد، وأحرى بوجود برلمانييه؟

إنه احتقار لكل الشعب واستفزاز له.

فمقياس الدولة البوليسية هو عدم مسائلة رجل الأمن عن تجاوزاته… وعدم محاسَبة المنظومة الأمنية عن سوء أداءها. وفي دولة بوليسية لا شأن للمواطن بما يقترفه جهاز الأمن من خروقات وتجاوزات.

أما  الدولة  الديمقراطية، فإنها عكس ذلك تماما، فركيزتها الأساسية هي الحكامة الأمنية، و دولة القانون،

نعم ، المغرب دولة ديمقراطية، ويجب أن نقر بحق البرلماني أن يكون رقيبا على عمل أجهزة الأمن، لأن له صفة تمثيلية الشعب…

نعم يحق للبرلماني محاسبة الأجهزة الأمنية وإخضاعها للمسائلة…

إن ما حصل يوم الجمعة 18 دجنبر الماضي من اعتداء على البرلماني الأستاذ عبد الصمد الإدريسي، يدعو الحكومة والطبقة السياسية والمجتمع المدني إلى التفكير بجد في كيفية تفعيل آليات ضبط الحكامة الأمنية من خلال :

1-  ضرورة توسيع النقاش وإشراك مختلف الفاعلين من وزارات وأجهزة أمنية وفاعلين سياسيين وبرلمانيين ومجتمع مدني ومؤسسات وطنية، في وضع السياسات الأمنية وإدراجها ضمن خطة فعالة لمناهضة الإفلات من العقاب وإرساء وتكريس عرف التشاور والإشراك وتدبير الاختلاف بطرق سلمية.

2-  ضرورة تحديد موقع الأجهزة الأمنية في المعادلة السياسية بالبلاد وأدوارها في مجال الضبط الأمني وموقعها بالنسبة إلى الفاعل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والرياضي والفني…

3-  مراجعة التشريعات والقوانين المنظمة للشرطة وجهاز المخابرات المدنية والعسكرية والدرك والقوات المساعدة على مستوى الهيكلة والبنية والطبيعة والوظائف والأدوار، على أن تتسم الترسانة القانونية في هذا المجال بالوضوح والانسجام وعدم تداخل الأدوار.

4-   وضع سياسات جديدة تنبني على المسؤولية السياسية والجنائية والمدنية في كل التجاوزات أو الانتهاكات الصادرة عن الأجهزة الأمنية.

5-   الحرص على مراجعة السياسات الأمنية على قاعدة الشرعية واحترام القانون وإعمال مبدأ الشفافية مع إحداث آليات فعالة للرقابة، بما فيها توسيع اختصاصات اللجان البرلمانية المكلفة بمواضيع الدفاع والأمن.

6-   إرساء الرقابة البرلمانية الفعلية على كل المؤسسات الأمنية والأجهزة النظامية المماثلة مع إحداث مؤسسة وطنية وسيطة يعهد إليها بإجراء التحقيقات لفائدة المتضررين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين.

7-   ضرورة القيام بإصلاحات داخل الأجهزة الأمنية  ترمي إلى إحداث مدونة أخلاقيات الحكامة الأمنية وإدماج قيم ومعايير حقوق الإنسان في البرامج التكوينية والمهنية للجيش وأجهزة الشرطة والمخابرات وتحسين الوضع القيمي والرمزي والمادي للعاملين في مختلف الأجهزة الأمنية.

ويتضح  أن الدولة  ما زالت لم تستوعب بعد أن القوة العمومية ملك للمواطنون الذين فوضوا صلاحياتها للدولة طواعية لكي تستعملها عند الحاجة من أجل حمايتهم وحماية حقوقهم وحرياتهم… وليس لاستعمالها ضدهم.

إن الحكامة ليست مجرد منهج،  كما أن الدستور مهما بلغ سموه في المقاصد الفضلى المتعارف عليها عالميا، فهو يبقى مجرد وسيلة، والعبرة بتحويله إلى آليات للفعل التنموي الملموس.

ويمكن أن يشكل المجلس الأعلى للأمن، الذي نص الدستور الجديد على إحداثه، آلية لضبط مسألة صناعة القرار الأمني، ويجعل من الشرعية القانونية ومن الشفافية مصدر اتخاذ القرار الأمني، خاصة وأن اتخاذ هذا القرار يتم خارج السلطة التنفيذية، ونرى أنه من الضروري إخضاعه إلى مراقبة السلطتين التشريعية والقضائية على حد سواء.

 إن سعي القوى الوطنية الديمقراطية هو إقامة دولة ديمقراطية حقيقية في إطار سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وينص الدستور الجديد على الديمقراطية ومبادئ الحكامة الرشيدة والتشارك وربط المسؤولية بالمحاسبة باعتبارهما من المقومات الخمسة للنظام الدستوري.

 إننا نتأسف أنه لحد الساعة لم يصدر أي توضيح رسمي من جانب الحكومة، وهنا تقع المسؤولية بالدرجة الأولى عليها لتقديم توضيح للرأي العام حول ما جرى، وتقع المسؤولية كذلك على البرلمان لمسائلة الحكومة حول مدى تأثير هذا الموضوع على علاقات المغرب مع محيطه، وعلى صورته الداخلية والخارجية.

عبد اللطيف أعمو

نقيب المحامين وبرلماني

وقد نشرت جريدة أخبار اليوم المقال في عددها 956 ليوم الخميس 10 يناير 2013 صفحة 18

للاطلاع عليه (انقر هنا)









الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الموقع الرسمي للمستشار البرلماني عبداللطيف أعمو © www.ouammou.net © 2012