?>

الفاعل السياسي و هاجس انتهاكات حقوق الإنسان

ouammou1

مداخلة عبد اللطيف أعمو

حول

الفاعل السياسي وهاجس انتهاكات حقوق الانسان

يونيو 2004

 

 

 

 

 

 

 

 

 

من المثير للانتباه أن نعاين أن كلمة “حـقـوق الانـسـان” كلما قرأت أو سمعت غالبا ما تتبعها عبارة “انـتـهـاكـات” ، وهذا يعني أن هذه الحقوق ما زالت وستبقى معرضة للانتهاك، وهو ما جعل في نفس الوقت المبادرة والنضال من أجل صونها والدفاع عنها يتسم بالاستمرارية والتجدد، ويلزم في نفس الآن كل فاعل سياسي بالحفاظ على انتعاشها والدفاع عن احترامها. وهنا يظهر البعد الجوهري لحقوق الإنسان في حياة كل فاعل سياسي كيفما كان موقعه الاجتماعي أو الفئة التي يساندها من خلال هيئته السياسية ومن خلال تصوراته ومشروعه المجتمعي.

 

فوظيفة الفاعل السياسي تعتبر مفتاحا لنهضة حقوق الإنسان ولإرساء ثقافتها من خلال نشاطه الحزبي أو البرلماني أو الحكومي، فهي وظيفة مرتبطة بالموقع الذي يحتله بصفته هاته في المشهد السياسي داخل البلاد وخارجه. وبحكم أن

ها وظيفة الدفاع عن الحقوق والحريات، فإنها في نفس الوقت تمكن الفاعل السياسي من التعريف بأفكاره واختياراته حتى لا يتحول هو نفسه إلى ضحية انتهاكات حقوق الإنسان وحتى يضمن لنفسه حرية الإبداع وقوة الابتكار، واستمرار عطاءاته الفكرية والسياسية، ويضمن استقراره ومواصلة نشاطه كفاعل سياسي حقيقي.

ولا أدري ما إذا كنت في حاجة إلى التذكير بأن حقوق الإنسان ليست إيديولوجية حزبية أو سياسية، بل هي مجموعة من المبادئ القانونية والقواعد الأساسية المتصلة بالامتيازات الطبيعية المطبقة على الأفراد والجماعات والشعوب بهدف حماية الإنسان في شخصه وكرامته التي هي جوهر وجوده. ومن تم، فإن حقوق الإنسان منذ الإعلان عنها تتجاذب بين طابعها الكوني والخصوصية الثقافية المميزة لكل مجموعة إنسانية، هذا التجاذب الذي يتقوى حسب موازين القوى والتأثيرات الدولية. ولعل أبرز تجلياته واضح من خلال مسلسل العولمة والظهور القوي لمختلف ردود الفعل المرتبطة بالهوية.

ومن هذه المنطلقات، لا بد أن نقر أن بلادنا عرفت خلال تاريخها ولا تزال تعرف انتهاكات لحقوق الإنسان. فمنذ معركتها من أجل التحرر من الاستعمار ومن أجل بناء الدولة الوطنية الحديثة سواء على أساس الرؤية الشمولية التي يطبعها الحكم الفردي والمتصلة بظروفها الوطنية ومحيطها الدولي أو من منظور تأسيس دولة ديمقراطية متميزة بتعدد مرجعياتها ونسج التوافقات الممكنة بين الفاعلين السياسيين بحثا عن الإطار الملائم والسلمي الذي يضمن لها الاستقرار، ويضمن كذلك تحاور وتوافق أطرافها. ولعل دستور1996 لم يكن إلا حلقة من هذا المسلسل الذي ما زالت تفاعلاته جارية. فكان لنكسة حقوق الإنسان وانتهاكها خلال العقود الثلاثة التي تلت استقلال المغرب وقع ثقيل ومؤلم وفي نفس الوقت معقد، مما جعل آلامها أشد وأقوى وجعل مسالك معالجتها مسألة مرتبطة بتوفير شروط جديدة تمكن من توفير شروط عدم تكرار مآسي الماضي، وتمكن من حصانة الذاكرة وصقلها وإعلان المسؤولية وتوفير شروط الإنصاف يشمل كل الجوانب المادية والمعنوية والمهنية والاعتبارية وكل جوانب العناية والاعتبار.

وبدون شك أن المبادرات المتعددة التشريعية والإجرائية التي اتخذت في العقد الأخير مكنت من وضع منظور جديد لإشكالية حقوق الإنسان وآليات الحماية والنهوض بها، كما أسست لمقاربات جديدة مكنت من إشراك كل الفاعلين السياسيين والحقوقيين والمهتمين، في ورش إصلاحي ذو أبعاد تأهيلية وتحسيسية وهيكلية تدعم مسار التطور و التجديد أمام عدد كبير من الاكراهات والمعيقات والمقاومات

وما تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة بعد مرحلة من الأخذ والرد، وأمام تراكم كبير لمكتسبات المراحل السابقة إلا تعبير عن إرادة حقيقية للدفع بتطوير وانتعاش حقوق الانسان ومعالجة مآسي الماضي، والتحكم في انتهاكاته إلى مداه البعيد . وبدون شك، أن هذه الهيئة إذا وفرت لها شروط الاستقلال والصلاحيات اللآزمة ستمكن المغرب من العبور نحو مستقبل آمن وزاهر يكفل لأجياله الانتعاش بذاكرة الأمل المتجدد على نبض ذاكرة الماضي المؤلم. ويبقى على الدولة أن تعلن عن مسؤوليتها واعتذارها، وما يتطلب ذلك من إقرار لمبادئ إنصاف الضحايا والأرامل والمصابين.

وهكذا يبدو أن الدفاع عن حقوق الإنسان في حياة كل فاعل سياسي ليس مسألة ظرفية أو مرحلية، بل هي صيرورة دائمة تكمن في النشاط اليومي المتجدد لتصور خلاق يسعى إلى إنهاء علاقة الولاء والتبعية ويسعى إلى فتح مجال نمو قيم المواطنة كسلوك وممارسة تعطي للحرية أبهى مظاهرها القوية وللمسؤولية بعدها الإنساني الملتزم، ولقيم الإبداع والمبادرة معانيها التنموية المستمرة والمستدامة. وهذا هو السبيل الوحيد لتجنب الانحراف في المسار التاريخي الوطني نحو تحقيق الديمقراطية الاجتماعية الحقيقية وبناء مجتمع الحداثة.

ولا نظن أن من الجائز التردد والتبرم حول عملية تطوير مسارنا الدستوري والسياسي أو التردد في المبادرة إلى كل ما من شأنه أن يعزز رصيد بلادنا في مجال حقوق الإنسان كالعمل على الدفاع عن الشرعية الدستورية واحترامها وحصانة السلط و تحديدها من أجل ضمان تحقيق الفصل السليم بينها بجانب الدفاع عن القيم الرمزية وثوابت البلاد.

ولقد حان الوقت لمراجعة أنظمة تشغيل بعض الآليات التي لها وظائف الدفاع عن حقوق الإنسان كاللجن البرلمانية مثلا بقصد إبراز دور البرلمان كحارس على حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وفي نفس الوقت المطالبة بإصدار قانون صريح لمنع التعذيب وتجريمه وفق الاتفاقيات الدولية الخاصة بمناهضة التعذيب والتي صادق عليها المغرب وكذلك العمل على المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بها والذي صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 28 دجنبر 2002.

وبالمناسبة، فإن فريق التحالف الاشتراكي في البرلمان تقدم بمقترح قانون يتعلق بتتميم مقتضيات القانون الجنائي في جوانبه المتعلقة ب تجريم التعذيب ومحاربة العنصرية منذ الولاية التشريعية الماضية بتاريخ 10/05/2002 يرمي إلى تعديل الفصول 399-455-225-609 من القانون الجنائي المغربي في أفق توفير الحماية القانونية لكل الأشخاص ضد أي شكل من أشكال التعذيب والميز العنصري، وما زال هذا المقترح برفوف البرلمان حتى الآن.

كما أن الوقت قد حان لمعالجة إشكالية الهجرة وما يرتبط بها داخل الوطن وخارجه من انتهاكات لحقوق الإنسان، إذ لا يكفي وضع قانون لتنظيم إقامة الأجانب في الوقت الذي تتعرض فيه حقوق المهاجرون في أوروبا للانتهاك بسبب جنسيتهم أو دينهم أو لونهم أو أصلهم، وما يتعرضون له يوميا من مختلف أساليب الاحتقار والكراهية، وهو ما يتطلب الجهد من أجل تنبيه الرأي العام إلى هاته المعضلة الإنسانية التي تستحق كل العناية والمتابعة والمعالجة.

ولا يمكن تصور دور الفاعل السياسي في مجال حقوق الإنسان خارج الضمانات القضائية التي تفرض وجود قضاء يتمتع بكل شروط الاستقلال الوظيفي والفكري ومحصن من كل تهديد ويتمتع بشروط النزاهة والحياد بعيدا عن كل إغراءات وكل تعليمات كيفما كان مصدرها.

وأخيرا، فإن الحديث عن دور الفاعل السياسي ومجال حقوق الإنسان يؤدي بالضرورة إلى الحديث عن الإطار الذي يمارس فيه الفعل السياسي وكيفية اشتغال هذا الإطار. وهنا لا بد من الإشارة إلى وضعية أحزابنا السياسية، وما تفتقر إليه من ممارسة شروط الديمقراطية الداخلية وانعدام هيكلية حديثة قادرة على ضمان الانسجام والتكامل بين الأجيال، وتمكن من الاستقطاب والتكوين و التأطير وتوفير حق المشاركة. وهذا السبيل الوحيد لتجنب الإنزلاقات التي تمس الشرف وتمس المسار السياسي إذا كانت الممارسة السياسية لا تمارس في الحدود الدنيا للشفافية والفعالية والتأثير.

فلا بد إذن من فتح ورش آخر للإصلاح يشمل كل المؤسسات والهيئات التي تمارس فيها السياسة لتكون متوافقة مع متطلبات التحول السريع الذي يحصل في المجتمع.

وكل تفكير في هذا المجال لا بد أن يصطدم بتساؤلات على الفاعلين السياسيين إيجاد الأجوبة عنها في أقرب وقت، تفاديا للانحراف في مسار النمو الديمقراطي للبلاد، وتجنبا لكل تحريف أو استغلال لمكتسباته في هذا المجال، ومن هاته الأسئلة:

– أليس المغرب في حاجة إلى بناء قطب يساري قوي موحد قادر على الدفاع على مكتسبات تجربته الديمقراطية وعلى تجربته في مجال حقوق الإنسان وقادر على تطويرها وتجديدها ؟

– ألم تنضج بعد فكرة تكوين هذا القطب بعد هذا المسار الطويل المليء تارة بالاحباطات وتارة أخرى بالانتصارات ؟

– ألم نشعر بعد بوجود مخاطر تهدد المكتسبات الديمقراطية في مجال حقوق الإنسان والتنظيم والمشاركة؟

– ما هو المنتظر غدا، وما هو السبيل .

عبد اللطيف أعمو

مستشار برلماني

ابريل 2004









الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الموقع الرسمي للمستشار البرلماني عبداللطيف أعمو © www.ouammou.net © 2012