?>

المناقشة العامة لمشروع القانون المالي رقم 65.20 للسنة المالية 2021

108

مساهمة مستشاري حزب التقدم والاشتراكية بمجلس المستشارين، بمناسبة المناقشة العامة لمشروع القانون المالي رقم 65.20 للسنة المالية 2021:

chambre-conseillersplfr8

السيد الرئيس المحترم،

السيد وزير المالية والاقتصاد وإصلاح الإدارة المحترم،

السيدات والسادة أطر وزارة المالية المحترمون،

السيدات والسادة المستشارون المحترمون،

يشرفني أن أقدم مساهمة مستشاري حزب التقدم والاشتراكية بمجلس المستشارين، بمناسبة المناقشة العامة لمشروع القانون المالي رقم 65.20 للسنة المالية 2021، وذلك بعد إحالته على مجلس المستشارين،  وفقا لأحكام الفصل 75 من الدستور ومقتضيات المادة 48 من القانون التنظيمي لقانون المالية.

إن المناقشة العامة لمشروع القانون المالي تعد لحظة مفصلية تسمح بمناقشة المشروع في عمومياته، وفي اختياراته الكبرى وفي مراميه ومقاصده وفي آليات تنزيله وترجمته عبر السياسات العمومية، وفي مدى استجابته لتطلعات وانتظارات المواطن المغربي.

وهكذا، فإن مشروع قانون المالية 2021 يأتي في سياق جد دقيق وحساس، ناجم عن حدة الأزمة الصحية وتواصل انكماش الاقتصاد العالمي، خصوصا لدى شركائنا المباشرين وعدم وضوح الرؤيا حول آفاق تجاوز هذه الأزمة، وما لذلك كله من انعكاسات سلبية على اقتصادنا الوطني، على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.

نحن اليوم نناقش قانونا ماليا استثنائيا، في ظروف استثنائية. فهو آخر مشروع مالي في زمن الحكومة الحالية. ويحق لنا أن نسائلكم اليوم، ومن خلالكم أعضاء الحكومة، عن  مدى التزام الحكومة بتنفيذ برنامجها الحكومي؟

لذا، فهذه السنة، هي سنة انتقالية بامتياز، ستتخللها قرارات حاسمة، وستكون سنة 2021 سنة حافلة بالرهانات المرتبطة بمدى قدرة الحكومة على مواجهة الجائحة، وبمدى قدرتها على تفعيل التوجهات الملكية، من:  إطلاق  خطة إنعاش الاقتصاد الوطني وتعميم التغطية الاجتماعية وتحقيق حكامة القطاع العام. وهي كلها أوراش كبرى تتطلب إرادة وشجاعة سياسية كبيرة وإمكانيات مالية ضخمة، في ظل شح الموارد وتقلص العائدات وانكماش تحويلات مغاربة العالم مع الزيادة في بعض النفقات الغير القابلة للتقليص.

إن مشروع قانون المالية، الذي نحن بصدد دراسته، يأتي كذلك في ظل توالي سنوات من الجفاف، الذي أصبح معطى بنيويا، ساهم بجانب الأزمة الوبائية في تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وكشف عن العديد من الاختلالات ومظاهر العجز والقصور.

ففي خطاب جلالة الملك بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة دعا جلالته إلى توجيه المخطط الفلاحي نحو خلق جيل جديد من الفلاحين المندمجين في الاقتصاد الوطني ودعم الطبقة الوسطى الفلاحية برصد مبلغ 35 مليار درهم، لتعزيز حيوية القطاع.

فلا بد هنا من ملاحظة حول الفرضية التي على أساسها بنيت توقعات مشروع القانون المالي هذا، بافتراض أن يصل محصول الحبوب إلى 70 مليون قنطار خلال هذا الموسم الفلاحي،  وهو  رهان يطبعه التفاؤل الزائد.

فبالنظر إلى حجم الإنتاج من الحبوب برسم موسم 2019 – 2020 الذي لم يتعدى ما مجموعه 32 مليون قنطار فقط، وهذه النسبة ضيعت على المغرب نقطة في معدل نمو الاقتصاد الوطني.

صحيح، أن القطاع الفلاحي أبان عن قدرة على الصمود والمواجهة طيلة الفترة الأولى من الجائحة، ويمكن استثمار وتثمين هذه التجربة للرفع من المردودية وحماية القدرة الشرائية للمواطنين. وهذا من شأنه التخفيف من حدة التفاوتات الجهوية والمجالية.

وإذا أضفنا لهذا البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه الري (2020-2027) الذي ستصل كلفته إلى 115 مليار درهم، فطموح تعزيز الفلاحة المغربية ورهان تنمية صادراتها وضمان الاقتصاد من العملة الصعبة قائم. لكننا أمام قطاع منشط للتشغيل والاستثمار. ولكي يلعب القطاع دوره كاملا، عليه أن يثبت نجاعته كقطاع مهيكل، قائم على يد عاملة مضمونة الحقوق والتكوين والتأهيل. ونحن اليوم لا نتوفر على أرقام دقيقة وحقيقية للتشغيل داخل القطاع الفلاحي.

ولكي يكون للمغرب طموح لكي يصبح بلدا فلاحيا بامتياز، فعلينا الرفع من مساهمة الفلاحة في الناتج الداخلي الخام إلى مستوى يفوق 25 % . ونحن لا نصل بالكاد اليوم إلا إلى مستوى17%.

فهل ساهم مشروع قانون المالية هذا في رفع سقف الطموح الوطني في هذا المجال؟ بالتأكيد لا.

فعلى المغرب، وخصوصا في هذا الظرف الدقيق، أن يوسع القطاعات المنتجة للثروة، بالرهان طبعا على فلاحة عصرية ذات امتداد صناعي، يشجع التخزين وسلاسل التبريد، ولا يهمش الفلاحة التضامنية والفلاح الصغير، لكن كذلك بالرهان على تحديث القطاع الصناعي والرفع من مساهمته في الناتج الداخلي، مع إبداع استراتيجية جديدة وخلاقة في القطاع السياحي، لأن المخطط الأزرق، وما تلاه من مخططات، لم تأت أكلها. وفرصة جائحة كورونا، هي مناسبة لإعادة النظر في الأساليب المعتمدة سابقا.

السيد الوزير المحترم،

إن ريادة اقتصاد المعرفة عالميا وهيمنة الاقتصاد اللآمادي، تجعلنا نتساءل: هل يمكن فعلا لبلد لا يتجاوز فيه معدل البحث العلمي 0.8 % من الناتج الداخلي أن يخلق الثروة في مختلف القطاعات الحيوية، بما فيها الفلاحة أو الصناعة أو الخدمات،… وغيرها، بدون دعم للبحث التطبيقي وبدون دعم قطاع التربية والتكوين دعما حقيقيا وقويا، ومده بالخبرة والتأهيل، مع توجيه المحتوى البيداغوجي نحو علوم المستقبل وعلوم الطاقات البديلة والذكاء الصناعي والرقمنة.

وهل يحمل مشروع القانون المالي هذا بوادر هذا التحول الفكري والاستراتيجي؟ نحن نشك في ذلك.

السيد الوزير المحترم،

نحن اليوم نناقش قانونا ماليا استثنائيا، لكن الحكومة ألبسته لباس مشروع عادي، لا يقدم إجابات صريحة على الإشكاليات المطروحة.

فقد راهنت الحكومة على مقاربة تقنية ومحاسباتية، برهانات موازناتية غير طموحة، في انتظار مؤشرات اقتصادية وإشارات سياسية أقوى في مستقبل الأيام.

فالسنة تغلب عليها الانتظارية، في أفق الإفصاح عن الخطوط العريضة للنموذج التنموي الجديد المنتظر الإعلان عنه في شهر يناير القادم. ولا ننتظر منها قرارات حاسمة، بالنظر إلى كونها كذلك سنة انتخابية بامتياز. وهذا المعطى ينعكس على مشروع قانون المالية هذا.

فكل الحسابات التي قام عليها قانون المالية، تسعى قدر الإمكان للحفاظ على توازن هش، فيما يتعلق بدور الدولة، مع خضوع كبير لإكراهات جعلت من الميزانية وبفرضيات نراها – في مجملها – مفرطة في التفاؤل ، ومع التعويل على إقلاع اقتصادي لم تتضح بعد معالمه.

ولا يجوز تعليق شماعة مشاكلنا البنيوية القائمة على جائحة كورونا.  وهي في مجملها واردة في الخطب الملكية الأخيرة (بمناسبة عيد العرش وبمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب وبمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الحالية).

السيد الوزير المحترم،

إن الحديث عن صندوق الاستثمار الاستراتيجي، نابع من نظرة ملكية استباقية للجائحة، يتعين على الحكومة اتخاذ تدابير لتفعيلها، وفي مقدمتها إطلاق خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد الوطني كأولوية في مشروع قانون المالية بتمكين القطاعات المتضررة من الجائحة من استعادة عافيتها وقدرتها على الحفاظ على مناصب الشغل.

لقد لاحظنا بأن مشروع قانون المالية عمل على تسخير مجموعة من الإمكانيات لبذل مجهود مالي استثنائي عبر ضخ ما يقارب 120 مليار درهم في الاقتصاد الوطني لمواكبة المقاولات، خاصة الصغرى منها والمتوسطة، انطلاقا من هاجس الحفاظ على مناصب الشغل والرفع من القدرات الاستثمارية.

لكن هذا المجهود الاستثماري الاستثنائي لا بد أن يكون معززا بإجراءات مصاحبة، من قبيل وضع آليات فعالة للشراكة بين القطاعين العام والخاص في إطار مجموعة من التعاقدات التي عليها أن تضمن أقصى درجات النجاعة لتدخلات هذا الصندوق الاستراتيجي السيادي، مع تنشيط دينامية التحول الصناعي ومواكبة مشاريع التوطين الصناعي لتعويض المنتوجات المستوردة بمنتوجات وطنية.

والمطلوب اليوم هو أن يمثل “صندوق محمد السادس للاستثمار” رافعة تمويلية حقيقية مبتكرة، بخضوعه لنظام تدبير وحكامة متميزة، تمكن من اختيار نوعي لروافع التمويل، عبر صناديق جهوية، ويكون رافعة لتنمية القطاع الخاص عبر توقيع شراكات بين القطاع العام والخاص لدعم الابتكار والتجديد.

كما أن الرهان الحكومي بتعبئة وتوفير 15 مليار درهم كمرحلة أولى، يقتضي مساهمة مماثلة للقطاع الخاص بهدف توفير موارد مالية إضافية.

وقد تكون هذه الرافعة – إن توفرت لها شروط الحكامة والاستدامة – رافعة تمويلية حقيقية وفعالة لتنفيذ النموذج التنموي المنتظر، بامتداداته الجهوية الواعدة مستقبلا.

السيد الرئيس، السيد الوزير،

إن مشروع قانون المالية 2021 يراهن بداية على الشروع في المرحلة الأولى المرتبطة بالتغطية الصحية، تنفيذا للركيزة الثانية المتعلقة بتعميم التغطية الاجتماعية عبر مراحل.

فالمساهمة الاجتماعية المترتبة عن الأرباح والمداخيل ستمكن، بصفة استثنائية، من توفير 5 مليار درهم يتم رصدها لصندوق التماسك الاجتماعي.  وهو ما يؤكد بأن الحماية الاجتماعية توجد في صلب الإشكاليات الاجتماعية المطروحة.

ونرى أنه من الضروري الشروع في بلورة منظور عملي يتضمن أجندة واضحة، مع وضع إطار قانوني وخيارات تمويلية واضحة، ومن خلال فتح حوار هادف ومسؤول مع كل الفاعلين الأساسيين، بما سيحقق التعميم الفعلي للتغطية الصحية كرهان مجتمعي أكيد، مع إعطاء الأولوية اللآزمة من طرف الحكومة لإصلاح منظومتي الصحة والتعليم، بجانب الأوراش الاجتماعية القائمة.

السيد الوزير،

إن الحرص على تقييم المرحلتين الأولى والثانية من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تقييما دقيقا، سيمكن من إنجاح المرحلة الثالثة التي انطلقت سنة 2018 مع تدارك الخصاص على مستوى البنيات والخدمات الاجتماعية ومصاحبة الأشخاص في وضعية هشاشة وتحسين الدخل وضمان الإدماج الاقتصادي للشباب.

وهو منطلق كذلك لاعتماد فلسفة وثقافة التقييم والتقويم على مستوى البرامج الكبرى للدولة، ومن ضمنها مخطط المغرب الأخضر…

وكلها رهانات تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية للحكومة، لتنزيلها على أرض الواقع، وليست رهينة فقط ببرمجة مجموعة من الصناديق، واعتبار ذلك حلا للمشاكل المطروحة.. وكل هذا يحتاج إلى تظافر جهود مجموعة من الفاعلين لكسب رهان التغطية الاجتماعية على المديين المتوسط والبعيد.

السيد الوزير،

إن قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية يحتاج إلى إصلاح عميق، باعتباره قطاعا ضخما له تدخلات أفقية وعمودية.

ويتم الحديث عن إحداث وكالة وطنية والتدبير الاستراتيجي لمساهمة الدولة ومواكبة أداء المؤسسات العمومية وإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية … مع الحرص على تصفية المؤسسات التي لم تعد تؤدي الغاية المطلوبة منها وتجميع بعضها في أقطاب بهدف تحسين المردودية وتحقيق التجانس وعقلنة التدبير.

إن الحديث عن تصفية بعض المؤسسات والمقاولات العمومية، التي لم تعد لها جدوى نفعية، تذكرنا بتجربة الخوصصة التي عرفها المغرب خلال السنوات الماضية، وما شابها من أعراض وما صاحبها من مؤاخذات، تم الكشف عنها في حينها، وما زالت الدولة تؤدي ثمن أخطاءها وسوء تدبيرها.

مما جعلنا نثير الانتباه إلى أن التخلي عن بعض المؤسسات والمقاولات العمومية، تحت ذريعة عدم جدواها، بدل اعتماد مقاربة إعادة تأهيلها وإدماجها في تفعيل دور الدولة الحامي للخدمات العمومية وتحسين مردودها لتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية.

إن إصلاح الإطار المؤسساتي للإدارة والمؤسسات العمومية هو مشروع يحتاج إلى إرادة حقيقية وإلى جدولة زمنية طويلة الأمد … مع الحرص على الرفع من الكفاءة العملية والكفاءة الاستراتيجية لهذه للمؤسسات العمومية، يكون الهدف منه هو ضمان ديمومة النموذج الاقتصادي لهذه المؤسسات العمومية.

إن رقم معاملات المؤسسات العمومية يصل إلى 240 مليار درهم، لكن مديونيتها تكلف ما يقارب 280 مليار درهم، وهو من أهم أوجه ضعف الحكامة والتدبير. وقد رصدت استثمارات عمومية سنة 2019 بمبلغ 73 مليار درهم، بمعدل إنجاز لا يتجاوز نسبة  73 %. وهذا وجه آخر من أوجه ضعف الحكامة في تدبير الاستثمار العمومي.

وعلى مستوى حجم الموارد البشرية، فالمؤسسات العمومية تشغل موارد بشرية تقارب 129.545 إطارا ومستخدما،  وتستنزف كتلة الأجور لوحدها 45 % من موارد هذه المؤسسات. وهذا وجه آخر من أوجه ضعف الحكامة في القطاع.

لكننا نود هنا إثارة الانتباه إلى التقسيم الجهوي المتفاوت للإستثمار العمومي، حيث رصدت الحكومة استثمارا عموميا بمبلغ 100 مليار درهم سنة 2020 ، 35 % منها موجهة لجهة الدار البيضاء، بمعدل 5500 درهم لكل مواطن، فيما جهة درعة تافيلالت مثلا لا تحظى إلا بما يقارب 1500 درهم للفرد.

السيد الوزير،

لقد خضعت المؤسسات العمومية لمراحل عديدة من الإصلاح، اعتمدت على تفكيك مجموعة من المؤسسات ونقلها إلى القطاع الخاص ومراجعة أدوار عدد من المؤسسات. وهم جيل آخر من الإصلاحات التركيز على محاولة عقلنة وحكامة القطاع من خلال عدد من المبادرات التجزيئية. لكن هذه الإصلاحات لم ترقى إلى مستوى التطلعات والانتظارات.

وجائحة كورونا ستفرض بالتأكيد جيلا جديدا من الإصلاحات، لأن الأداء الحكومي خلال فترة جائحة كورونا أصبح محط مسائلة، من حيث الفعالية وجودة الخدمات العمومية، التي أججها ارتفاع الطلب الاجتماعي من جهة، ومطلب عقلنة الاستثمارات العمومية من جهة أخرى.

هذا الإصلاح يجد تعليله أيضا في ندرة الموارد المالية، التي تتطلب اليوم عقلنة وحكامة من أجل تحقيق الأهداف المرسومة والنتائج المتوخاة.

وهذا الإصلاح يستهدف تغييرات جوهرية في عقلية الإدارة العمومية  على مستوى التبسيط والتخليق والنجاعة، مع الحاجة إلى جيل جديد من الإصلاحات المعتمدة على التحكم في توزيع المحفظة العمومية، من خلال التجميع والدمج والعقلنة وبالارتكاز على مفهومي النتائج والفعالية.

ومن الضروري اليوم، أن تتم إعادة النظر في بناء المؤسسات العمومية، على المستوى التنظيمي والهيكلي وعلى مستوى جذاذة الكفايات والمهارات وعلى مستوى التقاطـع والتجميع، في ارتباط وطيد بالتخطيط الاستراتيجي في تحديد الأهداف وفي تسطير الخيارات الأساسية، خصوصا وأن المغرب مقبل على مرحلة جديدة تضع اللبنات الأولى للنموذج التنموي. ومن شأن القطاعات العمومية أن تتموقع بشكل جيد في قلب دينامية هذه المنظومة التنموية المنتظرة.

ويتعين ضمان التنسيق والالتقائية بين تدخلات البنيات المنتجة للسياسات العمومية، من قطاعات حكومية وجماعات ترابية ومؤسسات عمومية. كما أن هناك حاجة لتنظيم ملتقيات استراتيجية سنوية تساعد على بلورة توصيات من شأنها توحيد الرؤى بين القطاعات الحكومية الوصية على المؤسسات العمومية قصد تحقيق أقصى درجات النجاعة.

وكلها أوراش تتطلب إرادة سياسية قوية لمواجهة المقاومات ومختلف التحديات، بحكم أن إصلاح الإدارة هو مدخل أساسي لهيكلة الاقتصاد.

ويحق لنا التساؤل اليوم، كيف لحكومة لم تفلح في إيجاد حلول لهذه الإشكاليات الكبرى  طيلة سنين مضت، أن تفلح في تناولها الإيجابي في سنتها الأخيرة؟

السيد الوزير،

كلنا متفقون على أن التضامن يعد من شيم المغاربة. وأن لا عيب أصلا في فرض ضريبة استثنائية لفائدة الفئات الهشة ولتجاوز الأزمة. لكن فرض ضريبة جديدة تحت مسمى”الضريبة التضامنية” هو مجهود إضافي مطلوب من الأفراد الذاتيين والمعنويين، في حدود 2,5% بالنسبة للشركات التي تصل أرباحها إلى ما بين 25 و 40 مليون درهم، وبنسبة 3,5% بالنسبة للشركات التي تصل أرباحها إلى أكثر من 40 مليون درهم. فيما يطلب مجهود من الأشخاص الذاتيين بنسبة 1,5% انطلاقا من كل أجر يتعدى 10.000 درهم، حيث سيؤدي المواطن 1.800 درهم في السنة كمعدل.

ومن المأمول أن تدر هذه الضريبة التضامنية الجديدة 5 مليار درهم في خزائن الدولة، لكي تدعم بها صندوق دعم التضامن الاجتماعي، الذي سيتم تعزيزه ب 5 مليار درهم أضافية ( صندوق خاص بالراميد- دعم الأرامل والمطلقات –  برنامج تيسير…).

فهل هذا سيساعد فعلا الدولة على تجاوز هذه المرحلة الصعبة؟

إننا نرى أن مبلغ 5 مليار درهم غير كاف إطلاقا لحل الأزمة. فحتى صندوق جائحة كورونا الاستثنائي الذي التهم إلى حد الساعة 33  مليار درهم، لم يستطع تطويق الأزمة ومحاصرتها. مما يوضح بجلاء حجم الخصاص الاجتماعي، ومحدودية البرامج الحكومية وطابعها الترقيعي والموسمي. ونرى أنه في الحقيقة دعم ترقيعي لن يستطيع دعم القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة، ولا تحفيز الطلب الداخلي.

فالهدف يظل مرحليا، خاليا من أي طموح، وهو ضمان الحد الأدنى لاستمرارية البرامج الاجتماعية التي التزمت بها الحكومة سابقا.

فهل الحكومة ستلجأ مجددا إلى جيوب الطبقة الوسطى لإنقاذ المالية العمومية؟

إن تراجع موارد الدولة وارتفاع عجز الميزانية ليصل إلى 46 مليار درهم، مقابل ارتفاع النفقات، قد يحتم على الحكومة اللجوء إلى آلية التضامن للحصول على مداخيل إضافية.

ففي مجال العدالة الضريبية، فالمعاب على هذه الضريبة التضامنية أنه بالنسبة للشركات قد تم اعتماد مبدإ المساهمة التصاعدية مقارنة بالربح الصافي السنوي. وكان أحرى الرفع من سقف المداخيل المعنية بهذه المساهمة، أو اعتماد نفس المبدإ بالنسبة لاحتساب مداخيل الأجراء والموظفين، لأن هذا مجانب لمبدإ العدالة.

والحكومة، التي تحصل أصلا على مواردها المالية بالأساس من المداخيل الجبائية المباشرة وغير المباشرة، ستكون بهذا الإجراء قد أضافت ثقلا إضافيا لطبقة وسطى، مرهقة ومنهكة أصلا، وقد يساهم ذلك في إضعاف القدرة الشرائية لهذه الطبقة، التي تلعب دور صمام الأمان الاجتماعي.

والحكومة تكون بذلك قد اختارت الحل السهل، فبدل اللجوء إلى توسيع الوعاء الضريبي، فهي التجأت إلى إثقال جيوب من يؤدون الضريبة أصلا. وهي بذلك تكون قد توجهت ثانية إلى نفس البئر لتسقي بعيرها. فالإشكالية قائمة في الاستهداف الضريبي، الذي يجانب مبدأ المواطنة التشاركية.

هل العدالة الضريبية تتحقق بدون إنصاف وبدون تقاسم الثروات؟

منذ مدة صار الحديث عن الإصلاح الجبائي استهلاكا موسميا، من مناظرة إلى أخرى، كلها تدور حول نفسها، بأطلاق جعجعة بدون طحين. وفي كل سنة، تبحث الحكومة عن صيغة لخفض هذه الضريبة، مقابل الرفع من أخرى، دون أدنى تحسن.

إن الجائحة أبانت بأنه لا مفر من اتخاذ تدابير فرضتها شروط الاقلاع والإنعاش العام. وهذا ما يجعلنا نعود من جديد وبإلحاح للتأكيد على أهمية فرض الضريبة على الثروات والضريبة على الفلاحة الكبيرة وابتكار بدائل أخرى في إطار توسيع الوعاء الضريبي بشكل يجعل المواطن يشعر بكامل مواطنته، وانتماءه إلى مجتمع يحميه ويساهم في خلق ثروته، ولو كان ذلك لفترة معينة تمكن من محو آثار الجائحة ، وتضع مالية الدولة في سكة جديدة تمكنها من تطوير أداءها العمومي لفائدة كل المواطنين.

السيد الرئيس،

السيد الوزير،

في ظل شح الموارد وتقلص عائدات الضرائب، يحق لنا أن نتسائل : هل خيار الاستدانة خيار وحيد وأمثل؟ أم هناك حاجة بالتأكيد إلى الاستعمال والتوظيف الذكي للموارد المالية المتاحة أو التي يمكن تعبئتها.

وبحكم أنه من المتوقع أن تتقلص المداخيل الجبائية بنسبة 20 %، فمن الضروري اللجوء إلى إحداث ميكانيزمات مبتكرة للتمويل.

فمن الميكانيزمات تنشيط وتثمين حصيلة أملاك الدولة، التي تعتبر حاليا ضعيفة، وتكاد لا تتعدى نسبة 0.4 مليار درهم. وهذا رقم مخجل مقارنة مع ما تملكه الدولة من عقارات وأملاك. وهو كذلك ورش يقتضي الحكامة والعقلنة والترشيد.

كما يمكن اللجوء إلى الآليات المالية المبتكرة mécanismes de financement innovants من خلال اللجوء إلى التدبير النشيط للديون، بهدف أداء الدين بأقل تكلفة.

كما يمكن اللجوء إلى عقود شراكة بين القطاعين العام والخاص . وهو ما قد يعفي الدولة من تكاليف خاصة بميزانية الاستثمار. إلا أن الملاحظ هو أنه منذ صدور قانون 12.86 المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص في سنة 2015 لم توقع الحكومة أي عقد يمكن من الاستفادة من القدرات الابتكارية للقطاع الخاص ومن تمويله، على عكس العديد من الدول التي جعلت منه أداة لتخفيف الضغط على المالية العمومية. كما نلاحظ كذلك انكماش ميزانية الاستثمار من 83 مليار درهم سنة 2020 إلى 77 مليار درهم سنة 2021. كما يتعين في هذا الجانب تفعيل شركات التنمية الجهوية على مستوى الجهات.

كما أن المسار المتمثل في ترشيد تدبير بعض النفقات مسار يتعين السير فيه بثبات. فالكثير من الإعفاءات الضريبية لم تتأكد جدواها.  ويجب النبش في مبلغ 30 مليار درهم من الإعفاءات الضريبية، وفحصها بتمعن، وتقييمها قطاعا بقطاع.

فإذا كنا نبحث عن حلول بنيوية لاقتصادنا الوطني، فعلينا التفكير جديا في حلول ابتكارية على المستوى المالي والتدبيري للحقيبة الاستثمارية العمومية، مع العلم أن الموارد المالية تأتي من النمو الاقتصادي، والنمو من جهته يأتي من الاستثمار.

السيد الوزير،

إن التحكم في إشكالية تفاقم نسبة البطالة يعتبر من مؤشرات نجاح الأداء الحكومي، وهو رهان اجتماعي بامتياز. ويبدو أن نسبة البطالة تتراوح بين 14 و 15 %، وقد فقدنا أزيد من 581 ألف منصب خلال فترة الجائحة.

فتراجع نمو الجهد الاقتصادي أثر بشكل كبير في سوق الشغل، وتفاقمت البطالة خصوصا في صفوف خريجي الجامعات والمعاهد (25 % قبل الجائحة، وهي نسبة عالية). ونرى أن الإجراءات المحفزة للقطاع الخاص في مشروع قانون المالية 2021 والتي تهم إعفاء الشركات من الضريبة على الدخل لمدة 24 شهرا عند تشغيل شاب بأقل من 30 سنة وتمتيعه بعقد أول، ليست كافية لبلوغ الأهداف، في ظل اقتصاد يهيمن عليه طابع التشغيل الباطني sous-emploi. كما أن هذا النوع من العقود طويلة الأمدCDI قد لا يستطيع الوفاء بها إلا الشركات المهيكلة، والتي تستطيع الالتزام بالتعاقد بشكل مستمر مع شاب في بداية مشواره المهني.

وقد يساهم شرط الاستفادة من قروض تفضيلية بنسبة 3,5% القائم على شرط الحفاظ على الشغيلة وعدم تسريح العمال وتسجيل عمالة بقوائم الضمان الاجتماعي مع الحفاظ على الرأسمال اللامادي للمقاولات والشركات الوطنية… في الحد من النزيف الحاصل في سوق الشغل.

من جهة أخرى، نعتبر أن جهد الأفضلية الوطنية في حدود 20 % هو تدبير محفز، وبالخصوص برنامج استبدال الواردات بقيمة تقارب  33 مليار درهم… على شكل خطة للإنتاج الوطني، الهادف إلى الحفاظ على النسيج المقاولاتي وطنيا وضمان استمراريته وديمومته أثناء وبعد الجائحة.

لكننا نرى أن هذا الجهد المتواصل لضمان حياة النسيج المقاولاتي، سيكون رهينا بالحفاظ على مناصب الشغل. وهذا ما لم يتحقق لسوء الحظ.

للإطلاع على نص المداخلة بصيغة PDF

(انقر فوق الصورة أدناه)

???????? ???????? ??????? ?????? ????? ??????









الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الموقع الرسمي للمستشار البرلماني عبداللطيف أعمو © www.ouammou.net © 2012