?>

حوار لعبد اللطيف أعمو مع جريدة نبض المجتمع (انتاك ن وامون)

couv1

خص عبد اللطيف أعمو جريدة “نبض المجتمع” بحوار مطول تناول قضايا الشأن المحلي بمدينة تيزنيت في ارتباطها بالثقافة والهوية الأمازيغيتين. وقد نشرت الجريدة المختصة في قضايا الأمازيغية الحوار في عددها الثامن لفترة يوليوز – غشت 2014 في محورين:

المحور الأول: محور تسيير الشأن العام بمدينة تيزنيت:

  • أطلقت مدينة تيزنيت العديد من المبادرات على شكل أنشطة وتظاهرات اهتمت بشكل مباشر بالنهوض بالثقافة الأمازيغية، هلا أفصحتم لقراء الجريدة عن الخلفيات التي تؤطر هذا التوجه لديكم؟

ينص الفصل الخامس من الدستور على  أن الأمازيغية تعد ” لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء، وسيحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل طابعها الرسمي، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية. وتحرص الدولة على  حماية وتنمية اللغة الأمازيغية بجانب العربية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا.

وتجسيدا وتفعيلا لهذا النص الدستوري، نرى أن على الجماعات المحلية والمجالس المنتخبة الانخراط في الدينامية التي تتوخى مأسسة اللغة الأمازيغية وتقوية مقوماتها على المستوى الجماعي.

ومن منطلق أن الثقافة الأمازيغية هي مكون أساسي للهوية الوطنية المشتركة بين جميع المغاربة، فالجماعات المحلية – في ارتباطها بالخصوصيات الثقافية المحلية، ولكونها تشكل قاعدة الديمقراطية المحلية – تضطلع بمسؤولية جسيمة في مجال تنمية الثقافة الأمازيغية وتقوية حضورها الرمزي والمادي، في إطار الاختصاصات الممنوحة للهيئات الترابية في مجال التنمية الثقافية، بالنظر إلى الإطار القانوني المنظم للتنمية الثقافية المحلية، والمتمثل في الميثاق الجماعي (القانون 78.00)، المحدد لاختصاصات المجالس الجماعية في المجال الثقافي، وخصوصا المادة 41 منه .

وبحكم أن الأمازيغية أضحت عنصرا رئيسيا في التوجه الثقافي للدولة المغربية، في إطار المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي الذي ينخرط فيه كل المغاربة.

وبالنظر إلى أننا في تيزنيت نعتبر أن “الثقافة والتراث” ليسا ترفا أو قطاعات ثانوية، بل هما مجالان  يحظيان بالأولوية في التنمية المحلية، فالنهوض بالثقافة الأمازيغية، يحتل موقعا رئيسيا ضمن الانشغالات الأساسية للجماعة، ويستمد شرعيته من هذه المنطلقات، ويعتمد أشكالا عديدة من مبادرات جماعية أو جمعوية مدعمة من طرف الجماعة تستهدف حماية وتنمية التراث الثقافي المحلي، ومن خلاله حماية وتعزيز التنوع الثقافي الوطني.  فالدعوة  إلى حماية وتنمية التراث الثقافي المحلي هي دعوة إلى الاعتماد على الموروث الثقافي كمنطق للتفاعل مع حضارات العالم والتعايش معها بإيجابية،كما أنها دعوة إلى الانطلاق من الهوية الثقافية كعامل وحدة وتماسك للمجتمع يقوم على أساس القبول بالتنوع اللغوي و الثقافي الذي يميز مختلف مكونات المجتمع المغربي دون ميز أو إقصاء أو احتقار .

  •  بخصوص تأهيل المدينة العتيقة لتيزنيت، هل تم استحضار البعد القيمي والتراثي للمدينة العتيقة في المشاريع المخصصة لتأهيلها والمحافظة عليها؟

إن تأهيل المدينة العتيقة لتيزنيت يندرج ضمن برنامج إعادة الاعتبار للتراث الحضري ككل، ويأخذ بعين الاعتبار ضمن منظومة متكاملة ومنسجمة: التراث المادي (أي المآثر التاريخية والبنايات ذات الحمولة الثقافية والتراثية) ثم التراث الغير المادي  (أي المهن والحرف والمهارات) وكذلك التراث الطبيعي (المتمثل في مزارع تاركا)، بحكم أن  مدينة تيزنيت تتميز عن غيرها من الحواضر بكون مدينتها الأصيلة محاطة بسور تاريخي يعتبر آخر التحصينات العسكرية المشيدة بالمغرب ما بين 1882 و 1886. ولهذا السبب صنفت   المدينة العتيقة ضمن التراث الوطني منذ عام 1932. ويقطن أكثر من نصف ساكنة المدينة  بالمدينة العتيقة، كما تستضيف حوالي 80٪ من أنشطة المدينة الحضرية. وتيزنيت هي كذلك من المدن التاريخية القلائل التي تتوفر على واحة  “مزارع تاركا” مندمجة اندماجا كاملا في المجال الحضري للمدينة العتيقة. وهذه الواحة الممتدة على قرابة 70 هكتارا إلى الشمال الشرقي من المدينة العتيقة، ما زالت فيها الفلاحة التقليدية تشغل أكثر من 500 أسرة حضرية بالمدينة. كما تشتهر تيزنيت عن مثيلاتها من المدن بحرف مرموقة، وهي أساسا إنتاج المجوهرات الفضية والجلود (صناعة النعال السوسية التقليدية).

فاستحضار البعد القيمي والتراثي للمدينة العتيقة في المشاريع المخصصة لتأهيلها والمحافظة عليها أمر أكيد. وانطلق منذ سنة 2004 من  منظومة عمل متكاملة وتدخلات تنطلق من أربع عناصر أساسية : (1) التشخيص، (2) المحافظة، (3) الإبداع والابتكار، (4) التثمين . كما اعتمد مشروع إعادة الاعتبار للتراث 6 محاور للتهيئة، منها: تهيئة محيط العين الزرقاء وتهيئة ساحة المشور والساحات والأزقة المجاورة لها وكذلك إعادة تأهيل وترميم البنايات ذات الحمولة التراثية والثقافية بالمدينة العتيقة، وتهيئة مداخل المدينة وجنبات السور التاريخي بجانب إعادة الاعتبار للتراث البيئي الاعتبار وللتراث الغير المادي من حرف ومهارات، ويندرج ضمنه تأهيل الصياغة الفضية.

أما اليوم، فبرنامج تأهيل ورد الاعتبار للمدينة العتيقة ، المندرج في إطار سياسة المدينة، يضم قرابة 40 مشروعا بتكلفة إجمالية قدرها  160 مليون درهم، وهو موضوع مشروع اتفاقية شراكة بين الجماعة والدولة. وما زالت الجماعة تفاوض لضمان تمويل إنجاز هذه المشاريع.

  • بصدد المشاريع التي يتضمنها  الPCD، هلا أفدتم القراء بخصوص عدد المشاريع التي رأت النور وأسباب تعثر بعضها، وأخص بالذكر المشاريع ذات الصلة بالمحافظة على المدينة العتيقة؟

أرى أن هناك خلطا في سؤالكم بين برنامج تأهيل ورد الاعتبار للمدينة العتيقة والمخطط الجماعي للتنمية، فهما  شيئان مختلفان: فبرنامج تأهيل ورد الاعتبار للمدينة العتيقة سبق أن أشرت إليه في السؤال السابق، وهو محدود مجاليا في المدينة القديمة، وينطلق محتواه من الكشف عن المؤهلات والمقومات التراثية للمدينة إلى اقتراح سبل تثمينها ورد الاعتبار لها. فيما المخطط الجماعي شئ آخر، ويتعلق بقدرة الجماعة في التحكم في مؤهلاتها الطبيعية والبشرية، لتستشرف الرهانات ذات الأولوية لتحسين مستدام لظروف عيش ساكنة المدينة ككل وتوفر للفاعل المحلي لوحة قيادة معتمدة على رؤية واضحة المعالم، على المديين القصير والمتوسط والبعيد، حول استعمال أمثل للموارد الجماعية الذاتية، وكذا تلك المعبئة من طرف الفاعلين الآخرين لفائدة التنمية المستدامة للمدينة. وهي مشاريع تهم تنمية المجال الحضري بكامله وضمان انسجام مكوناته. وينقسم زمنيا إلى أهداف مستعجلة أو قصيرة المدى ( 2003/2009) وأهداف متوسطة المدى ( 2009/2012) وأهداف بعيدة المدى (2013/2023). كما يتضمن المخطط الجماعي للتنمية 7 محاور استراتيجية :  (1) الاقتصاد والقدرة التنافسية المحلية (2) التعمير والتنمية المجالية (3) البنية التحتية والمرافق العمومية (4) التجهيزات والمرافق الجماعية (5) البيئة وجمالية المدينة (6) الأعمال الاجتماعية والثقافية والرياضية (7) محور الحكامة  المحلية.

 أما بالنسبة لتتبع البرمجة المتعددة السنوات للمخطط الجماعي للتنمية وتقييم تنفيذها بعد سنة ونصف من دخولها حيز التطبيق، فقد تم إحصاء ما مجموعه 71 مشروعا، من أصل 78 مشروعا المكونة لوثيقة المخطط، مبرمجة برمجة كلية أو جزئية خلال سنوات 2011، 2012 و 2013. وقد بلغت نسبة الإنجاز 52 %، أي أن 37 مشروعا من أصل 71 مشروعا أنجزت أو هي في طور الإنجاز .

  • نظمت بتيزنيت دورة تكوينية في الامازيغية لفائدة الفاعلين الترابيين – عامل الاقليم ، الكتاب العامون،  قياد ، رؤساء جماعات، …-  كيف تقيمون هذه المبادرة غير المسبوقة؟

مشروع دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية لا يجب أن يقتصر على انتظار إصدار القانون التنظيمي، بل هو مشروع انطلق بانطلاق الدستور، فأصبح كل المهتمين يشتغلون كل من موقعه: فهناك المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي كثف من عمله العلمي والمعياري واجتهد في ابتكار آليات متعددة لمصاحبة تطبيق هذا المشروع. وهناك المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يشتغل من جهته في إنتاج الأفكار لإعطاء المشروع إطاره الحقوقي داخل منظومة حقوق الإنسان الكونية. وهناك عدد من المراكز الجامعية المختصة تشتغل بدورها من خلال أبحاث ومقاربات من أجل إغناء حقل الاقتراح لتمكين كل المهتمين من مادة الاشتغال سواء من حيث مستوى التشريع أو العمل التنظيمي للحكومة وهيئات الإدارة وكذلك لدعم مجهود وضع المخطط التربوي والتعليم وإدماج اللغة الأمازيغية ضمن المنظومة التربوية.

وفي هذا الإطار، تندرج مبادرة عدد من المؤسسات العمومية المنتخبة بما فيها الجماعية لتنظيم دورات تكوينية لموظفيها وأعوانها تتعلق بتعليم حرف تيفناغ وكيفية الكتابة به والتأقلم معه في الحياة اليومية بشكل يطبع التعامل بآليات هاته اللغة من حرف ونطق وتوحيد ومعيار بشكل طبيعي وسلس ومبسط.

ونفس الشئ يتم في الحقل الشبابي، حيث تنظم مباريات ومسابقات في مجال الكتابة بحرف تيفناغ إلكترونيا أو بالخط اليدوي وتشجيع التباري والتنافس والتألق في مجال التشكيل والسمو بهاته الحروف إلى مستواها الفني والإبداعي على غرار الحروف الأخرى. كلها مبادرات تدخل بشكل تلقائي في مشروع تفعيل وأجرأة الطابع الرسمي لدسترة الأمازيغية، ولا تحتاج إلى انتظار صياغة قانون تنظيمي.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن من مظاهر تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ما تقوم به بعض الجماعات المحلية، ومنها جماعة تيزنيت من استعمال وإدماج اللغة الأمازيغية وتوظيف حرف تيفناغ في التشوير العمومي، بوضع لوحات وعلامات التشوير المثبتة على الطرق والفضاءات العمومية الجماعية وفي تسمية الأزقة والشوارع  باستعمال حرف تيفناغ وإدماجه في الحياة العامة ذات الأولوية. مع العلم أن تجربة بلدية تيزنيت رائدة في هذا المجال، حيث كانت هي الأولى من نوعها وطنيا، وحتى قبل إقرار ترسيم اللغة الامازيغية في دستور 2011.

كما استعملت اللغة الأمازيغية بخطها وبحروفها تيفناغ في الكتابات العمومية وأوراق الإدارة الجماعية والبطائق، وكل ما يتعلق بالهوية للدلالة على وجودها وبقصد الاعتزاز بالهوية. كل ذلك يعتبر مؤشرا جديا في اتجاه تحقيق تفعيل دسترة الأمازيغية.

كما أطلق المجلس البلدي أسماء تراعي الدلالات والأبعاد الثقافية والحضارية والتاريخية الأمازيغية على بعض المرافق الجماعية منذ دورة فبراير 2012، باعتماد المقاربة التشاركية لإدماج الامازيغية في تدبير الشأن المحلي وإشراك الجمعيات المحلية في اختيار أسماء للمرافق العمومية، حيث تم إطلاق اسم محمد خير الدين على دار الثقافة واسم تينهنان على مركز استقبال الشباب واسم أناروز على قاعة الرياضات بالمدينة.

وجدير بالذكر كذلك أن المجلس البلدي لمدينة تيزنيت اتخذ مبادرات عديدة في مجال تفعيل ترسيم الأمازيغية في الفضاء العام. كإدماج اللغة الامازيغية في التنمية الثقافية وتثمين التراث الثقافي الأمازيغي من خلال تنشيط المدينة وإبراز خصوصياتها ومؤهلاتها والانفتاح على المجتمع المدني ودعم كل المبادرات والأنشطة الجمعوية، (مهرجان الفضة ، دعم تنظيم جائزة  الحاج بلعيد ، كرنفال إمعشار ، الاحتفال بالسنة الأمازيغية، دعم مهرجان الفيلم الامازيغي، دعم أشغال الجامعة الصيفية ، دعم الملتقيات النسائية الامازيغية، الاحتفال بذكرى دسترة اللغة الامازيغية، دعم تنظيم أولمبياد تيفناغ ( مسابقة الإملاء بحرف تيفناغ)، دعم تجارب جمعوية في مجال الأنشودة الأمازيغية، دعم المخيمات الصيفية لبعض الجمعيات الأمازيغية، … كل هذا بجانب وضع الفضاءات الجماعية رهن إشارة الجمعيات وبعض منتجي الأفلام الأمازيغية خلال تصوير بعض المشاهد من الأفلام  والإنتاجات الأمازيغية.

وإيمانا منه بالنهج التشاركي أبرم المجلس البلدي اتفاقيات شراكة، الهدف منها خدمة الثقافة الأمازيغية. ونخص هنا بالذكر الشراكة المبرمة مع إدارة مسرح محمد الخامس بهدف  تنظيم لقاءات وأيام ثقافية لمدينة تيزنيت تتخللها عرض أعمال فنية أمازيغية بمسرح محمد الخامس بالإضافة إلى إنشاء أوراش للتكوين في مجال المسرح، وكذلك الشراكة المبرمة مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة ابن زهر ومع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والتي  تهدف إلى تحسين جودة العمل الثقافي وتعبئة كل الإمكانيات  من أجل استراتيجية للتنمية الثقافية بالمدينة.

 ولا بد من التذكير هنا بالإطار المؤسساتي التعاقدي الذي تمثله اتفاقية التوأمة والتعاون بين مدينة تيزنيت وعدد من المدن الأجنبية كسمرفيل بالولايات المتحدة الأمريكية وسان دوني بالضاحية الباريسية بفرنسا وإزميت بتركيا، والذي يمثل فضاء شاسعا للتبادل وللترويج للثقافة الأمازيغية بمختلف أشكالها وتعبيراتها الفنية والابداعية. وهناك مجهود للشراكة والتعاون مع عدد من الجمعيات التي تشتغل في مجال إحياء التراث وتثمينه والحفاظ عليه كجمعية أحواش تيزنيت للفن والثقافة نظرا لإسهاماتها والدور الذي تلعبه في تثمين الموروث الثقافي المحلي والحفاظ على فن أحواش باعتباره يجسد تراثا محليا للمدينة، وكدعم مهرجان الفروسية ومحاولة استرجاع وإحياء التقاليد البطولية العريقة لمنطقة سوس وبالخصوص تيزنيت في علاقتها مع الفرس ورياضة ركوب الخيل والفروسية . كما هذا بجانب المجهود المبذول في تشجيع عدد من التعاونيات النسائية التي تنشط في مجال تثمين الطبخ التقليدي المحلي وإنتاج المواد الغذائية التقليدية وتثمينها ومحاولة استرجاع الزربية التقليدية التيزنيتية في طابعها الأصيل والحفاظ على طرق نسجها التقليدية.

كما أن هناك مجهودا لدعم الشراكة في قطاع المسرح ونشر الثقافة السينمائية، حيث تنظم مدينة تيزنيت دورة سنوية للفيلم القصير يزداد إشعاعها وطنيا ودوليا، بجانب المهرجان الدولي للسينما للجميع والذي يحتفي بالسينما الأمازيغية ويكرم أهم وجوهها.

من جهة أخرى، حرص المجلس على أن تضم لجنة المساواة وتكافؤ الفرص في عضويتها باحثين ومهتمين بالثقافة الامازيغية، وهي  لجنة استشارية منصوص عليها في الميثاق الجماعي (المادة 14 و 36) تتكون من شخصيات تنتمي إلى جمعيات محلية وفعاليات من المجتمع المدني يقترحها رئيس المجلس الجماعي. وهذه اللجنة تتم استشارتها دوريا في عدة قضايا وملفات تهم تدبيرا لشأن المحلي وفي ومقدمتها المخطط الجماعي للتنمية.

وباستحضار البعد الاستراتيجي، حرص المجلس الجماعي على إدماج الأمازيغية في المشاريع التنموية في إطار التخطيط الاستراتيجي، وضمنه مشروع إحداث قرية الفنانين يهدف هذا المشروع إلى تشجيع الفن الامازيغي  والفنان الأمازيغي  على وجه الخصوص، وإحداث معهد موسيقي جديد.

وكل ذلك بجانب دعم الدورة التكوينية في الأمازيغية لفائدة الفاعلين الترابيين، التي أشرتم إليها في سؤالكم، يعتبر مؤشرا جديا في اتجاه تحقيق تفعيل وأجرأة دسترة الأمازيغية في بعده المرتبط بدور الجماعات المحلية.

  المحور الثاني : محور العمل البرلماني والسياسي:

  • كلَّ انتظار الفاعل الأمازيغي للقانون التنظيمي المنظم للأمازيغية، بصفتكم مستشارا برلمانيا، لماذا هذا التأخر في صدور هذا  القانون التنظيمي؟

إن من أصعب القوانين التنظيمية تصورا وبلورة وتجسيدا – ضمن القوانين التنظيمية – هي القوانين الخاصة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، لعدة أسباب:

أولها، سياسي: فما زالت هناك قوى لم تهضم بعد، ولم تتقبل أن تتطور الأمازيغية إلى أن تفرض نفسها كلغة رسمية للبلاد بمقتضى الدستور. وما زالت هناك عدد من المؤشرات السلبية لمناهضة هذا المكسب التاريخي للكيان المغربي برمته، تحاول تحطيمه وتأخيره والدفع نحو التراجع عنه باستعمال الوسائل المختلفة العلنية وغير العلنية والمباشرة وغير المباشرة، التهييئية النفسية والمجالية واستغلال الظروف وكافة المبررات وكل أشكال التخويف والتهويل. وإن التعطيل وكسب الوقت والتأخير يعتبر من آليات محاربة إنماء وتقوية هذا المكسب.

ثانيها، سوسيولوجية ومجتمعية: هناك قناعة شاملة بأن دسترة الأمازيغية هي مكسب تاريخي لكل المغاربة. وبالموازاة، هناك تشويش كبير على كيفية تنزيل الطابع الرسمي لهذه اللغة على كافة المستويات ( التربية، الممارسة العامة في الإدارة وفي العدل وكافة المرافق… إلخ)

وارتباطا بالواقع التربوي والتعليمي العام ، هناك تشكيك في مسار المنظومة التربوية بجانب الصراع اللغوي القائم (عربية، فرنسية، انجليزية… إلخ)

إن دسترة الأمازيغية مرتبطة كذلك بتطور المنظومة الاقتصادية والتقنية والعلمية والتكنولوجية وإشكاليات التكوين والاندماج،

كما أن عدم الجواب الصريح على سؤال: ماذا نعني بدسترة اللغة الأمازيغية  آنيا ومستقبليا؟ وكيفية تطبيق ذلك؟ يجعل صعوبات التنفيذ تتراكم. وإن تراكم كل هذه التعقيدات والصعوبات لن يسمح لأي جهة كانت أن تدعي بأن تصورها لوحدها هو الفاصل وهو الأمثل.

والمسألة في اعتقادي تتطلب توافقا وطنيا يضمن للغة الأمازيغية في فضاءها كلغة رسمية أن تتنمى بسرعة وتواجه كل الصعوبات والتعثرات التي تقف في طريقها.

وأظن أن المبادرة لا يمكن أن تصدر من جهة واحدة، بل هناك مؤسسات – بغض النظر عن تسلسلها الدستوري – لها كلمتها في الموضوع. وأن الحرص على صياغة توافقية تنال تزكية أعلى سلطة في البلاد في شخص جلالة الملك قد تساهم في فك وحل إشكالية الطابع الرسمي للأمازيغية، ووضعها في إطار شمولي أوسع يمكن كل المغاربة من التعاون والتعامل حول تحقيق مشروع الهوية الوطنية الحقيقية التي تعتبر الأمازيغية أحد عناصرها الراسخة والحاسمة.

  • ثمـة من يرى أن تناول الأمازيغية من طرف الأحزاب السياسية – من أمثال التقدم والاشتراكية– ليس إلا للاستهلاك الشعبي، كيف تردون على هذا الكلام؟

لم يعد هناك مجال للحديث عن استدراج أو استغلال الأمازيغية من طرف الأحزاب السياسية وغيرها لغاية سياسوية أو شعبوية أو انتخابية. لأن هذا الأمر أصبح متجاوزا، بحكم أن اللغة الأمازيغية أصبحت رسمية. وعلينا جميعا هيئات سياسية ومدنية، حكومة ودولة… التركيز على ضمان ترسيخ وتعزيز معاني ومضامين اللغة الأمازيغية كلغة رسمية .

  • ما هو دور حزب التقدم والاشتراكية الذي تمثلونه في الاسهام في صياغة هذا القانون المرتقب؟

فيما يتعلق بحزب التقدم والاشتراكية، فالتاريخ يشهد له بأنه كان أول حزب أدمج مسألة الهوية الأمازيغية ضمن تحليله لواقع المغرب، وهو يبلور مشروعه المجتمعي بناء على عوامل سوسيولوجية انتربولوجية تاريخية ثقافية سياسية واقتصادية. مما جعله يتميز ويختلف عن باقي مقومات الحركة الوطنية منذ تأسيسه كحزب شيوعي منذ سنة 1943 وعند إعادة النظر في تحليلاته لواقع المغرب بمناسبة انعقاد مؤتمره السري في سنة 1966 لما أعلن اختلافه مع الأحزاب الشيوعية التي تتمحور في منظومة الدول الاشتراكية التي يقودها الحزب الشيوعي السوفياتي، وأعلن استقلاله في وضع اختياراته في انسجام تام مع مبادئ الثورة الوطنية الديمقراطية، مستحضرا خصوصيات المغرب ومقوماته الاجتماعية والثقافية، كحزب وطني يعمل من أجل بناء المؤسسات والدفاع عنها والعمل على دمقرطتها ونبذ العنف والكراهية، ويدعو إلى التحالف بين القوى الوطنية الديمقراطية التي تسعى إلى السلم والعدالة الاجتماعية.

ومن المناسب التذكير هنا بأنه انطلاقا من هذا التحليل بادر المرحوم عزيز بلال إلى إصدار كتابه الشهير عوامل التنمية الغير اقتصادية ويقصد بها بالذات العوامل الثقافية المرتبطة بالثقافة الشعبية والمكون الثقافي للمجتمع المغربي، والذي تمثله الثقافة الأمازيغية بكل مكوناتها.

وكان تنظير حزب التقدم والاشتراكية في هذا المجال واضحا ومفصلا في كل أطروحات مؤتمراته، سواء في مرحلة تسميته بحزب التحرر والاشتراكية التي لم تدم إلا بضع شهور من 1966 إلى 1969 أو في مرحلة تأسيس حزب التقدم والاشتراكية من سنة 1974 إلى الآن. فحزب التقدم والاشتراكية، ومنذ مؤتمره الوطني الأول سنة 1975 اهتم في وثيقته السياسية بالأمازيغية ضمن الاهتمام بالثقافة المغربية ودعا إلى العناية بمكونات الثقافة  الوطنية والنهوض بها وضمنها الأمازيغية.

 ومنذ سنة 1978، أصدر كتابا أبيض عنوانه “اللغة والثقافة الأمازيغية: جزء لا يتجزأ من التراث الوطني” . ويعتبر هذا الكتيب الذي نشر سنة 1980 مرجعا أساسيا للحزب بخصوص المسألة الأمازيغية. وقد صادف  صدوره ظهور مجموعة من الجمعيات الأمازيغية، وقدم نظرة جديدة حول الأمازيغية لغة وثقافة باعتبارها مكونا من مكونات الهوية الوطنية، بعيدا عن التناول الفلكلوري الذي ميز  تعاطي بعض الجمعيات والهيئات مع هذا الموضوع.

ويمكن الرجوع إلى هذه الأطروحات التي تطورت في اتجاه الانخراط في تعبئة المجتمع من خلال كل الهيئات والجمعيات التي تهتم بالشأن الأمازيغي، والتعاون مع الفاعلين في الحقل الثقافي الأمازيغي من أجل تصور مشروع يبرز حقيقة الثقافة الأمازيغية ولغتها كمكون جوهري للهوية المغربية. هذه المجهودات الجماعية التي توجت بخطاب أجدير، ثم بإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وأخيرا بالإعلان عن دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد بصدور دستور 2011.

إن عمل حزب التقدم والاشتراكية لم يتوقف عند هذا الحد بل استمر مع عدد من الفاعلين من هيئات مهتمة وشخصيات وخبراء نحو الدفع بتقوية الطابع الرسمي للغة الأمازيغية إلى الأجرأة والمشاركة في وضع تصور وصياغة لمشروع القانون التنظيمي للطابع الرسمي للغة الأمازيغية كلغة رسمية وكل الآليات والأدوات المرتبطة به لضمان تطبيقه وتفعيله. وهي مسألة ليست بالسهلة، ولا هي في متناول أيدي جهة واحدة، بل هي التزام جماعي للتفاعل الإيجابي المشترك والبناء احتراما لمقتضيات الدستور.

  • كلمة أخيرة لنبض المجتمع؟

أشكر جريدة ” نبض المجتمع” “ءانتاك ن وامون” المتخصصة في الأمازيغية لاستضافتها لي في عددها هذا. وأتمنى لهذه التجربة الإعلامية الجديدة مزيدا من التألق، لتكون نافذة جديدة للتواصل والنقاش حول مختلف القضايا المرتبطة بالأمازيغية.

فالجماعات المحلية والفاعلون السياسيون المنخرطون في مسار دعم اللغة والثقافة الأمازيغية، يتقاسمون مع الإعلام المكتوب المختص في الأمازيغية نفس الآمال والتطلعات التي فتحها لنا الدستور الجديد بعد ترسيم اللغة الأمازيغية. ونتمنى لمنبركم الإعلامي أن يكون فضاء للنقاش الجاد وللحوار البناء.

 عبد اللطيف أعمو

للاطلاع على المقال كما نشر في العدد 8 من “نبض المجتمع”

(انقر هنا)









الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الموقع الرسمي للمستشار البرلماني عبداللطيف أعمو © www.ouammou.net © 2012