?>

الجهوية ومبادرة الحكم الذاتي

Sans titre-1

في إطار الدينامية الوطنية الرامية إلى ترسيخ الجهوية المتقدمة وتعزيز نموذج الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي لقضية الصحراء المغربية، أعدّت مجموعة التقدم والاشتراكية بمجلس جهة سوس ماسة هذه الوثيقة التي تسلّط الضوء على تقاطع المسارين: الإصلاح الترابي الداخلي والدعم المؤسسي للنموذج المغربي في التدبير الجهوي المتقدم.

وتعرض المساهمة قراءة تحليلية معمقة للتجربة المغربية في نقل الاختصاصات وتعزيز اللامركزية واللاتمركز الإداري، وتُبرز الأسس الدستورية والقانونية والمؤسساتية التي تجعل من الجهوية المتقدمة رافعة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، والعدالة المجالية، وتقوية الديمقراطية الترابية.

كما تتناول الوثيقة موقع جهة سوس ماسة في هذا التحول الوطني، باعتبارها حلقة وصل استراتيجية بين شمال المملكة وأقاليمها الجنوبية، وقاطرة تنموية محورية في دعم الاندماج الوطني وتعزيز فعالية النموذج الجهوي المغربي.

وتبرز المساهمة أيضاً دور النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية في تقوية مصداقية مقترح الحكم الذاتي، من خلال مؤشرات ملموسة في مجالات البنية التحتية، الاستثمار، التنمية البشرية، وتثمين الخصوصيات الثقافية، بما يعزز مكانة المغرب إقليمياً ودولياً.

ويُختتم التقرير بجملة من الخلاصات والتوصيات العملية الرامية إلى:

  • تسريع تنزيل الجهوية المتقدمة؛
  • تعزيز الحكامة الترابية؛
  • دعم القدرات المؤسساتية والمالية للجهات؛
  • وتكريس الديمقراطية التشاركية كمدخل أساسي لإنجاح التحولات الترابية الكبرى.

هذه الورقة تمثل إسهاماً عملياً في بلورة رؤية مغربية متكاملة للحكم الجهوي المتقدم.

Microsoft Word - مقترحات جهة حول الجهوية و

الجهوية ومبادرة الحكم الذاتي

تجربة الجهوية المتقدمة والحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية المغربية :
التكامل بين الإصلاح الترابي والسيادة الوطنية في النموذج المغربي«
 (للاطلاع على نص المساهمة، انقر فوق الصورة أعلاه)

تقديم

منذ مطلع الألفية الثالثة، اختار المغرب نهجًا استباقيًا في تدبير قضاياه الترابية، قائمًا على اللآمركزية و اللآتمركز، في إطار مشروع الجهوية المتقدمة الذي توج باعتماد الدستور الجديد لسنة 2011. وفي الوقت ذاته، قدم المغرب منذ سنة 2007 مبادرته التاريخية للحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية المغربية، كحل سياسي واقعي يضمن كرامة السكان ويستجيب لمبادئ تقرير المصير في صيغة توافقية متقدمة.

ويُعد موضوع الجهوية المتقدمة والحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية المغربية من أبرز النماذج السياسية والإدارية في المنطقة، لكونه يشكل رابطا بين الإصلاح الداخلي العميق والمقاربة الدبلوماسية الاستراتيجية.

وفي إطاره المفاهيمي والمؤسساتي، تقوم الجهوية المتقدمة على نقل صلاحيات واسعة من الدولة المركزية إلى الجهات، بما يسمح لها بتدبير شؤونها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. وهي مستوى متطور من اللامركزية السياسية والإدارية يهدف إلى تحقيق التنمية المندمجة وتقليص الفوارق المجالية.

وفي إطارها الدستوري والتنظيمي، تتولى الجهة إعداد برنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب، وتتفاعل مباشرة مع الدولة عبر آليات التعاقد والتعاون، بحيثنص دستور 2011 في فصله الأول على أن التنظيم الترابي للمملكة يقوم على الجهوية المتقدمة. فيما صدر القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، مانحا إياها شخصية اعتبارية واستقلالًا إداريًا وماليًا.

فيما تشير البنية المؤسسية إلى أدوار رئيس مجلس الجهة الذي يتولى السلطة التنفيذية الجهوية، فيما يمثلالوالي السلطة المركزية ويضمن التنسيق بين الدولة والجهة.وتتكلف اللجان الجهوية بقطاعات محددة (البيئة، الاستثمار، البنية التحتية، الثقافة، المالية،…) بينما تختص الصناديق الجهوية، مثل صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات في تقليص الفوارق وضمان العدالة المجالية.

ومن التحولات البنيوية والمؤسساتية، الجديرة بالتذكير هنا، أنه على إثر الخطاب الملكي بتطوان سنة 2009، تم اعتبار الجهوية المتقدمة ورشًا وطنيًا شاملًا، وجرت أولى تطبيقاته في الأقاليم الجنوبية منذ سنة 2015، لتكون مختبرًا لتجسيد النموذج الجديد، مع انتخاب مجالس جهوية مكنت من بروز نخب جهوية محلية.

ومن أهم التحولات الاقتصادية والاجتماعية، إطلاق النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية (2015) بميزانية تفوق 77 مليار درهم والتركيز على الطاقات المتجددة والصيد البحري والسياحة الإيكولوجيةوالبنية التحتية الكبرى، مع تعزيز المؤسسات الجامعية والطبية وخلق فرص شغل لفائدة الشباب والنساء.

ومن أهم المؤشرات السياسية، ارتفاع نسب المشاركة في الانتخابات الجهوية والمحلية يفوق المعدل الوطني، وتمكين النخب الصحراوية من تدبير شؤونها المحلية في إطار السيادة المغربية.

وتعكس هذه الورقة جزءا من التصورات الرامية إلى تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية المغربية، في إطار السيادة الوطنية، وفي ارتباط عميق بالبناء الدستوري وبالاختيارات الاستراتيجية للدولة المغربية منذ بداية الألفية الثالثة.

ويتضح من خلال تحليل الجهوية المتقدمة، وورش اللآمركزية واللآتمركز، والنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، أنّ المغرب قطع أشواطاً مؤسساتية وتشريعية وتنموية مهمة تؤهله لاحتضان نموذج متقدم للحكم الذاتي، يقوم على نقل صلاحيات واسعة، وتثبيت ديمقراطية ترابية فعلية، وتحقيق عدالة مجالية شاملة.

I– الدعامات الأساسية لحسن تدبير مبادرة الحكم الذاتي

I–1 .المدخل الأول: المدخل الدستوري

1 – 1 . دستور 2011: تأسيس دستوري لقطيعة مع المركزية التقليدية

شكل دستور 2011 نقطة تحول نوعية في مسار الدولة الترابية، عبر ترسيخ مفهوم الدولة الجهوية بدل الدولة المركزية، بإعادة توزيع السلط والاختصاصات وتعزيز استقلالية الجماعات الترابية، بحيث نصّ الدستور صراحة على اختيار الجهوية المتقدمة كخيار استراتيجي للدولة، باعتباره إطاراً مؤسساً لإعادة بناء علاقة جديدة بين المركز والجهات قوامها المشاركة والقرب، والفعالية. هذا التحول الدستوري منح شرعية قوية لأي نموذج ترابي متقدم، وعلى رأسه مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب إلى الأمم المتحدةفي سنة 2007.

1 – 2 .الجهوية المتقدمة في الدستور: منطلق تفويض السلطة والتدبير المحلي

أدرج الدستور في فصوله (136–146) مبادئ جديدة للنظام الجهوي تقوم على التدبير الحر والتفريع والتضامن والتعاقد والديمقراطية التشاركية. ويرتبط هذا المدخل مباشرة بمقترح الحكم الذاتي، إذ يتقاسم نفس المبادئ بنقل سلطات واسعة من الدولة إلى مؤسسات ترابية منتخبة، مع ضمان وحدة الدولة وسيادتها. فالفصل 140 مثلاً يقرّ بالاختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة للجهات، وهو ما يوازي فلسفة تقاسم السلط التي يقوم عليها أي نظام للحكم الذاتي.

1 – 3 .اللآمركزية واللآتمركز كآليتين دستوريتين لدعم الحكم الذاتي

ينص الدستور في الفصل 145 على دور الولاة والعمال باعتبارهم ممثلين للدولة في تنزيل سياسات اللآتمركز وتنسيق تدخلات الإدارات. هذا البناء المؤسسي يضع أساساً دستورياً لانتقال تدريجي نحو نموذج ترابي أكثر استقلالية وفعالية، وهو نفس المنطق الذي تستند إليه مبادرة الحكم الذاتي التي تقوم على تحويل السلط التنفيذية والإدارية إلى هيئات جهوية منتخبة مع حضور منسق للدولة المركزية في إطار احترام السيادة.

1 – 4 .البعد الديمقراطي: الانتخابات والشرعيةورهان التمثيل

يجعل دستور 2011 من الجهات والجماعات الترابية مؤسسات منتخبة بشكل مباشر، بما يعزز الشرعية الديمقراطية للمسؤولين الجهويين. وهو نفس المنطق الذي بني عليه مقترح الحكم الذاتي، الذي ينص على انتخاب برلمان جهوي وحكومة محلية تمتلك سلطة التشريع المحلي والتنفيذ في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهكذا، يوفر الدستور قاعدة صلبة لوجود مؤسسات ديمقراطية محلية قوية قادرة على تفعيل نموذج الحكم الذاتي بكفاءة.

1 – 5 .تعزيز الخصوصيات الترابية والثقافية: أساس دستوري داعم لمبادرة الحكم الذاتي

أقر الدستور في ديباجته وفي الباب الأول التعددية الثقافية واللغوية والاعتراف بمختلف مكونات الهوية المغربية، بما فيها الحسّانية كجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية. وهذا البعد يشكل رافعة أساسية لمبادرة الحكم الذاتي التي تمنح لساكنة الأقاليم الجنوبية إمكانية تدبير شؤونهم المحلية وفق خصوصياتهم الثقافية والاجتماعية داخل إطار السيادة الوطنية.

1 – 6 .الانسجام بين مبادرة الحكم الذاتي والدستور: رؤية ترابية موحدة

إن دستور 2011 لم يؤسس فقط لمغرب الجهات، بل وضع الإطار المؤسساتي والقانوني الذي يجعل من الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية امتداداً طبيعياً وعضوياً لمسار الجهوية المتقدمة، بتوفيره لعناصر أساسية تشكل المرتكزات التي يستند إليها النموذج المغربي للحكم الذاتي، وهي:

  • وحدة الدولة والسيادة الوطنية؛
  • نقل السلط والاختصاصات إلى هيئات ترابية منتخبة؛
  • آليات ديمقراطية للمراقبة والمساءلة؛
  • ضمانات لحقوق الإنسان والهوية الثقافية؛
  • ربط المسؤولية بالمحاسبة.
  • وبالتالي، فدستور 2011 يشكل مدخلاً بنيوياً وحاسماً لتفعيل الجهوية المتقدمة، ويمنح الإطار القانوني والسياسي الأمثل لنجاح مبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية. فالتقاطع بينهما لا يقتصر على المبادئ العامة، بل يمتد إلى البنيات المؤسساتية وتوزيع الصلاحيات وتعزيز الديمقراطية المحلية وتثمين الخصوصيات الجهوية. مما يجعل الدستور حجر الزاوية لأي تنزيل فعلي وناجع للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

I2 . المدخل الثاني: مدخل اللآمركزيةواللآتمركز

يُعَدُّ ورش اللامركزية واللاتمركز الإداري أحد أكبر التحولات البنيوية في المغرب منذ سبعينيات القرن الماضي، إذ انتقل من نظام إداري مُركّز يهيمن فيه القرار المركزي، إلى نموذج يتجه تدريجياً نحو نقل الاختصاصات والموارد إلى الجهات والجماعات الترابية، بما يستجيب لمتطلبات الحكامة الترابية والتنمية الجهوية والتنمية المستدامة.

هذا التطور يوفر رصيداً مؤسساتياً مهمّاً يمكن البناء عليه لتفعيل مبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية باعتبارها إطاراً ديمقراطياً متقدماً للحكامة الترابية.

2 – 1 .أهم محطات تطور اللآمركزيةواللآتمركز

تميزت بدايات التأسيس والتحولات الأولى للآمركزية واللآتمركز بالمغرب ما بين سنتي 1971 و 1976 بإحداث الجهات الاقتصادية كأول إرهاصات التنمية الترابية (1971) و صدور الميثاق الجماعي (1976)، الذي منح الجماعات سلطات محدودة في التدبير المحلي.

وجاءت مرحلةترسيخ النهج اللامركزي(1992 – 1997) بإدخال مبدأ التدبير الحر ضمن الميثاق الجماعي وإحداث الجهة كجماعة ترابية دستورية لأول مرة (1997) تلتها إصلاحات تدريجية همت توسيع صلاحيات الجماعات وإطلاق برامج التنمية المحلية والجهويةبانطلاق برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2005 – INDH) مع الشروع فيأولى محاولات تعزيز اللاتمركز من خلال إعادة هيكلة المصالح الخارجية.

وتميزت مرحلة ما بعد دستور 2011 بتحول نوعي هم أساسا دسترة مفاهيم جديدة، من ضمنها: الجهوية المتقدمة كركيزة لإعادة بناء الدولة الترابية و المقاربة التشاركية والشفافية والتقييم، مع التأكيد على التدبير الحر و السلطة التقديرية للجهات.

وفي سنة 2015، اعتمدت قوانين تنظيمية جديدة (111.14 للجهات – 112.14 للعمالات – 113.14 للجماعات) معلنة تحويل الجهة إلى فاعل استراتيجي في مسار التنمية بجانب تعزيز دور رئيس الجهة في قيادة الاستراتيجيات الجهوية.

واعتمد الميثاق الوطني للاتمركز الإداري كأول إطار وطني ملزمفي سنة 2018 بهدف توزيع الاختصاصات بين الإدارات المركزية والمصالح اللآممركزة والنقل التدريجي للمهام والقرارات والموارد البشرية إلى مستوى الجهة والعمالة والإقليم، بجانب إحداث اللجان الجهوية للآتمركز برئاسة الولاة.

وتعزيزا لهذه الدينامية، تميز تنزيل الجهوية المتقدمة (2019 – 2024) بإعداد التصاميم الجهوية لإعداد التراب (SRAT) وتركيز الاستثمار العمومي على المشاريع الجهوية الكبرى، إضافة إلى تعزيز المقاربة التعاقدية: العقد-برنامج بين الدولة والجهات.

2- 2 .تقييم ورش اللآمركزية واللآتمركز

عرف ورش اللآمركزية واللآتمركز اختلالات مؤسساتية تتمثل في بطء نقل الاختصاصات الحقيقية للجهات واستمرار مركزية القرار داخل الوزارات، بجانب غياب التنسيق الفعّال بين الإدارات اللآممركزة.

هذا، بجانب الاختلالات الماليةالمتمثلة في ضعف استقلالية الجهات مالياً (اعتماد كبير على تحويلات الدولة) ومحدودية الموارد الجبائية المحلية مع التأخر في تفعيل الصندوقين الخاصين بالجهوية المتقدمة.

تنضاف إلى هذه الاختلالات، اختلالات بشرية وتنظيمية، يمكن تلخيصها في ضعف التأهيل الإداري والتقني للموارد البشرية المحلية وغياب آليات التعاقد وربط المسؤولية بالمحاسبة على المستوى الترابي وتفاوت القدرات بين الجهات.

ويعاني نظام اللآمركزيةواللآتمركز كذلك من اختلالات على مستوى الحكامة بضعف الالتقائية بين السياسات العمومية وتداخل الأدوار بين الولاة ورؤساء الجهات،وهيمنة سلطة المراقبة على إدارة وتسيير الجهات والتحكم في مجال تنفيذ الميزانيات، إضافة إلى غياب منظومة تقييم ناجعة للبرامج الجهوية.

هذه الاختلالات توازيها جوانب إيجابية، يمكن توظيفها كمكاسب لدعم تفعيل مقترح الحكم الذاتي، وعلى رأسها التوفر على رصيد مؤسساتي يتمثل في وجود جهات قوية ذات صلاحيات استراتيجية (التنمية، الاستثمار، إعداد التراب) والتوفر على ميثاق للآتمركز يسمح بنقل الاختصاصات للجهة. كما أن عناصر تعزيز دور المنتخبين قائمة بترسيخ شرعية ديمقراطية لتمثيل السكان في القرارات الترابية واعتبار الجهة فاعلاً أساسياً في التخطيط.

كما يمكن اعتبار التجربة الجهوية في الأقاليم الجنوبية تجربة ناجحة تتمثل في تحقيق قفزة تنموية jump in développement بعد إطلاق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية (2015)وتحقيق تقدم ملحوظ في البنيات التحتية واللوجستيكية بجانب التعليم العالي، الطاقة، المقاولات،…،

2- 3 .توصيات بخصوص الربط بين ورش اللآمركزية واللآتمركز ومقترح الحكم الذاتي

إن بناء دولة ديمقراطية حديثة يتطلب تعزيز اللآمركزيةواللآتمركز الإداري، في ارتباط وثيق بالمشروع الوطني المتعلق بتفعيل النموذج المغربي للحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية. لذلك، فإن منح الجهات صلاحيات واسعة وتوفير موارد مالية وبشرية ملائمة، وتشجيع المشاركة المواطنة، تشكّل شروطاً أساسية لإنجاح هذا الورش الاستراتيجي الذي لا تنحصر أبعاده في إعادة توزيع السلط، بل يمتد إلى ترسيخ العدالة المجالية وتقوية الديمقراطية التشاركية والحكامة الترابية وضمان الاندماج الوطني.

انطلاقاً من هذا المنظور، يمكن الاشتغال على الرافعات التالية:

تسريع نقل الاختصاصات إلى الجهات الجنوبية

إن الجهوية المتقدمة ليست مجرد هيكلة إدارية، بل هي رافعة للديمقراطية والتنمية. لذلك، ينسجم نقل الاختصاصات الجوهرية إلى الجهات الجنوبية مع مبدأين أساسيين، ألا وهما:ترسيخ سلطة القرار الترابي بما يعزز فعالية السياسات العمومية والتنزيل الواقعي للتدبير الحر وتمكين المنتخبين من قيادة التنمية.من منطلق أن الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية يجب أن يقوم على سلطات تنفيذية حقيقية للجهة في مجالات التعليم، الصحة، الاستثمار، الثقافة، والتهيئة الترابية،

في إطار احترام السيادة الوطنية ووحدة الدولة.

تعزيز الموارد المالية الذاتية للجهات – تجسيد لرؤية الحزب حول العدالة المجالية والإنصاف الترابي

 إن اللآمركزية لا يمكن أن تكون فعالة دون تمويل قار وكافٍ. لذلك، فإن توصيات دعم الموارد المالية للجهات تنصب وتؤكد على:

  • ضرورة تقليص الفوارق المجالية عبر تمويل عادل بين الجهات.
  • تمكين الجهات، وخاصة الجنوبية منها، من موارد قارة تمكّنها من إدارة برامج التنمية دون تبعية مطلقة للدولة المركزية.
  • إحداث آليات تمويل تضامنية تضمن الاستدامة المالية لنظام الحكم الذاتي.

ومن هذا المنطلق، فإن التنمية الاجتماعية– وليس فقط البنية التحتية – ينبغي أن تكون محور التمويل الجهوي في مرحلة تفعيل الحكم الذاتي.

تمتين حكامة اللاتمركز الإداري

في أفق تقوية حكامة اللآتمركز الإداري يتعين، بخصوص إصلاح الإدارة، تحقيق قفزة نوعية تجعل الإدارة المركزية تتحول من “جهاز وصاية” إلى “جهاز دعم وتنسيق”، بما يضمن فعالية القرار الترابي.

لذلك، فإن تقوية اللآتمركز الإداري:

  • يتماشى مع الدعوة إلى تحرير الطاقات الجهوية والمحلية،
  • وإعادة تحديد دور الولاة باعتبارهم محركين للتنسيق الجهوي، وليسوا بديلين عن المنتخبين،
  • وإرساء أجهزة ترابية متخصصة تملك سلطة اتخاذ القرار في الميدان.

بحكم، أن الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية سيكتسب مصداقية أكبر كلما تمت مأسسة اللاتمركز في القطاعات الحيوية: التعليم، الصحة، الاستثمار، التجهيز.

تقوية القدرات المؤسساتية والبشرية : محور أساسي في مشروع بناء دولة الكفاءات

هنا، وجب التركيز على ضرورة إعادة هيكلة الحكامة الترابية حول الكفاءة والفعالية. وبالتالي فإن:

التكوين المستمروالرقمنة واحترافية الأجهزة الترابية،وتطوير آليات التخطيط والتقييم،كلها عناصر تُعد جزءاً من الصرح الرامي إلىبناء مؤسسات ترابية قوية قادرة على تفعيل مشروع الحكم الذاتي بكفاءة.

كما أن بناء صرح الحكم الذاتي ليس مجرد معالجة إدارية، بل هو مشروع مجتمعي يتطلب الموارد البشرية المؤهلة والمتمكنة من مبادئ الحكامة والتدبير العصري.

تعزيز المشاركة المواطنة والديمقراطية الترابية

وتؤكد ركائز الحكامة الجيدة على مركزية المشاركة المجتمعية باعتبارها:ضمانة للشرعيةومصدر مراقبة ديمقراطية للسياسات العمومية الترابية.

وبالتالي، فإن التوصية بتفعيل الديمقراطية التشاركيةتنسجم تماماً مع هذه الرؤية لبناء نموذج حكم ذاتي، يقوم على انخراط السكان المحليين في القرارويعزز آليات المساءلة والشفافية،ويمنح المجتمع المدني دوراً محورياً في التقييم والتقويم.

وهنا يتأكد بأن نموذج الحكم الذاتي لن ينجح إلا إذا كان مشروعاً مجتمعياً تشاركياً يختزل إرادة الساكنة ويمتلك شرعية اجتماعية واسعة.

استثمار التجربة التنموية في الأقاليم الجنوبية : انسجام مع الموقف الداعم للاندماج الوطني

إن الإنجازات التنموية الكبيرة في الأقاليم الجنوبية تشكل دعامة أساسية لإسناد ودعم مبادرة الحكم الذاتي. ومن هذا المنطلق، فلا بد من التأكيد على ضرورة:

  • تحويل المكاسب التنموية إلى رافعات سياسية ودبلوماسية،
  • إبراز قدرة الجهات الجنوبية على قيادة التنمية بشكل مستقل ومسؤول،
  • الاعتراف بالدور الريادي للمؤسسات المنتخبة الصحراوية في هذا المسار.

فــنجاح هذه التجربة يعززالوحدة الوطنية من جهة، ويقوي الاندماج الاقتصادي والتموقع الاستراتيجي للمغرب على المستويين، الإقليمي والدولي من جهة أخرى.

إن الربط بين ورش اللآمركزية واللآتمركز وبين مشروع الحكم الذاتي،يؤدي إلى نتيجة واضحة مفادها أن الحكم الذاتي ليس ورشاً منعزلاً، بل هو امتداد طبيعي لمسار إصلاح الدولة، وبناء الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وتعزيز وتقوية العدالة المجالية.ويشكل هذا التوجه خياراً لضمان الاستقرار،ووسيلة لتعزيز التنمية،و أفقاً لتعميق الاندماج الوطني في إطار وحدوي ديمقراطي حديث، ويضع المغرب في موقع متقدم ضمن الدول التي تعتمد نماذج للحكم الترابي الديمقراطي المتقدم.

I3 . المدخل الثالث :مدخل القوانين التنظيمية للجهات

3 – 1 .القانون التنظيمي للجهات: التحول من الوصاية إلى المراقبة الإدارية البعدية

أنهى القانون التنظيمي للجهات لسنة 2015 نظام الوصاية التقليدي الذي كان يمنح وزارة الداخلية سلطات واسعة.وتم تعويضه بنظام المراقبة البعدية التي تُمارس فقط بعد اتخاذ القرارات، باستثناء بعض المجالات المالية التي ما زالت تتطلب التأشير القبلي، بحيث أحدثت القوانين التنظيمية (الجهات، العمالات والأقاليم، الجماعات) تحولاً جوهرياً بوضع حد لنظام الوصاية التقليدية، والاعتماد على مراقبة الشرعية بعد اتخاذ القرارات. مما عزز من استقلالية الجماعات الترابية ومن تحجيم السلطة الإدارية وتوسيع دور القضاء. ولم يعد بإمكان الإدارة تقييم مضمون القرارات أو ملاءمتها للمصلحة العامة، بل فقط مدى احترامها للقانون، وهو ما ينسجم مع منطق الجهوية المتقدمة والاستقلالية الديمقراطية.

إلا أن واقع الحال، يبين بأن سلطة المراقبة لا تمارس دائما في نطاق روح الدستور والقوانين التنظيمية، بل تمارس في نطاق التدخل المباشر في صلاحيات أجهزة الجماعات الترابية، وخصوصا في مجال تنفيذ الميزانية.

3 – 2 .القانون التنظيمي للجهات: تحديد دقيق لسلطات الرقابة

بمقتضى القوانين التنظيمية للجهات والجماعات الترابية،يمارس والي الجهة الرقابة الإدارية على الجهة، فيما يمارسها عامل العمالة أو الإقليم على العمالة والإقليم والجماعة. بحيث أصبحت مهمة الرقابة محصورة في شرعية القرارات ومدى مطابقتها للقانون، وليس تقييم ملاءمتها أو جدواها. وبذلك لم تعد سلطة الوالي والعامل سلطات تقريرية، بل سلطة رقابية فقط.

3 – 3 .القانون التنظيمي للجهات: القضاء الإداري هو المختص الحصري في الجزاءات

أصبح عزل الأعضاء أو حل المجلس، أو إيقاف تنفيذ القرارات اختصاصاً حصرياً للقضاء الإداري. ولم تعد السلطة التنفيذية تتخذ هذه الجزاءات بشكل منفرد، كما كان في النظام السابق.ومقارنة مع نظام ما قبل 2015،كانت الإدارة سابقاًتمارس الوصاية على الأشخاص، من عزل وتوقيف وإقالة المنتخبين بقرارات إدارية مباشرة. كما كانت تمارس وصاية على الأعمال: فحص الشرعية والملاءمة، مع إمكانية تعديل قرارات المجالس أو رفضها، واليوم تم حذف وصاية الملاءمة، والإبقاء فقط على فحص الشرعية.

3 – 4 .القانون التنظيمي للجهات: تعزيز آليات الرقابة الإدارية

أصبح تبليغ القرارات إلزاميا، بحيث تبلَّغ مقررات المجالس وقرارات الرؤساء لوالي الجهة أو للعامل خلال آجال محددة لكي تصبح قابلة للتنفيذ.كما تقر القوانين التنظيمية للجهاتبإمكانية إرجاع القرارات للمجالس،فإذا تبين للوالي أو للعامل وجود عيوب في الشكل أو الموضوع، يرسل ملاحظات ويطلب التعديل أو السحب. ويحق للجهة إذا أصرت على قرار غير مشروع، أن تحيل النزاع على المحكمة الإدارية للفصل فيه. وأصبح القضاء الإداري حجر الزاوية في حماية الشرعية وضمان حسن التدبير العمومي وتحقيق التوازن بين سلطة الدولة واستقلالية الجماعات.

3- 5 . توصيات بخصوص القانون التنظيمي للجهات

نوصي في هذا الإطار، بتعزيز قدرات المنتخبين وتقوية الموارد البشرية والتقنية داخل الجماعات الترابية، وبالخصوص داخل الجهات، انطلاقا من أهمية تثمين الموارد البشرية والعناية بمكانة الموارد البشرية كركيزة في رؤية الحزب لتأهيل الإدارة الترابية. وهنا، يتعين تعزيز قدرات المنتخبين في مجال القانون الإداري من خلال برمجة دورات تكوينية إلزامية،وإصدار دلائل عملية وتقنية مبسطة لمبادئ الشرعية والمساطر، لتفادي صدور قرارات قابلة للإبطال. كما يجب تقوية الموارد البشرية والتقنية داخل الجهات، خصوصاً في الجانب القانوني وتوفير أطر المراقبة الداخلية والأرشفة والتدقيق، بهدف ضمان جودة القرارات واحترام الآجال.

كما نوصي برقمنة مساطر التبليغ والتأشير والمراقبة، من منطلق أننا نؤمن بأن الرقمنة تُمثّل رافعة أساسية للتغيير والتنمية، ومحركاً لباقي التحولات المهيكلة، كما تشكل أداة فعّالة لتعزيز الإدماج الاقتصادي والاجتماعي والترابي. وهي أيضاً وسيلة من شأنها الارتقاء بجودة الخدمات العمومية وتعزيز منسوب الثقة بين المواطن والإدارة بشكل عام، والإدارة الترابية بشكل خاص، خاصة عبر تسهيل الحق في الولوج إلى المعلومة.

وفي هذا الإطار،نرى أن تطوير الرقمنة يساهم في تخليق الحياة العامة وتعزيز شفافيتها، من خلال دفع المؤسسات العمومية إلى مزيد من تحمل المسؤولية أمام رقابة المجتمع والرأي العام، ويعتبر أن ورش الرقمنة أساسي، وذلك بالدعوة إلى إنشاء منصة وطنية لتبادلمقررات المجالس الجهوية، ومختلف الملاحظات، والطعون في القرارات والاطلاع على آجال الإيداع والبت. مما يرفع من مستوى الشفافية ويقلل من النزاعات.

وبخصوص تطوير آليات المصاحبة بدل الرقابة المتشددة، نوصيبتحويل علاقة الوالي/العامل بالجماعات الترابية من علاقة مراقبة إلى علاقة تأطير ومواكبة ودعم قانوني وتقني، خصوصاً لدى الجماعات الصغيرة والفقيرة، والحرص على حسن تفعيل مبدإ التضامن بين الجماعات الترابية.

ويتعين إحداث وحدات قانونية داخل كل مجلس منتخَب لفحص الاختصاص والشكل، والسلامة القانونية للمساطر،قبل إحالة المقررات على الوالي أو العامل، في أفق نشر الثقافة القانونية داخل المجالسو تعزيز التواصل القضائي–الإداري داخل الجماعات الترابية.

كما نوصي ب تشجيع الصلح والوساطة، من خلال اعتماد مساطر بديلة لحل الخلافات قبل اللجوء للقضاء (جلسات مصالحة، مذكرات تفسيرية مشتركة، وذلك بهدف تجنب تعطيل المشاريع والمساطر).

إن تفعيل المراقبة البعدية للمشروعية وفق روح القوانين التنظيمية لسنة 2015 يشكل خطوة مهمة في مسار الجهوية المتقدمة، غير أن نجاح هذا الورش يستدعي إصلاحات مواكِبة لضمان استقلالية المجالس المنتخبة، ورفع جودة التدبير المحلي، وتعزيز الشفافية والحكامة.

وهنا وجب التأكيدعلى أن البعد الديمقراطي للجهوية هو رافعة أساسية لتحقيق تنمية مستدامة وعدالة ترابية، وأن تحسين آليات الرقابة القانونية، وتحرير المبادرة المحلية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، هي شروط ضرورية لإنجاح هذا الورش الوطني الكبير.

I–4 . المدخل الرابع: توصيات المناظرات الوطنية للجهوية المتقدمة

 في سياق الدينامية المؤسساتية التي تعرفها بلادنا، منذ اعتماد ورش الجهوية المتقدمة كأحد الأركان الاستراتيجية لبناء نموذج تنموي ديمقراطي ومندمج، شكّلت المناظرتان الوطنيتان، الأولى بأكادير سنة 2019، والثانية بطنجة سنة 2023، محطتان مركزيتان لتقييم تنزيل الورش وتبادل الممارساتالفضلى والوقوف عند مكامن القوة والاختلالات.

يتمثل الهدف، من خلال الرصد الموضوعي والقراءة السياسية النقديةللمناظرتين، إلى بلورة توصيات جوهرية كفيلة بتسريع وتيرة تفعيل الجهوية المتقدمة في اتجاه تقوية الديمقراطية، تعزيز العدالة المجالية، وتدعيم شروط التنمية المستدامة، بما ينسجم مع الرؤية المتقدمة للتدبير الترابي في الأقاليم الجنوبية وضرورات تعزيز مصداقية مقترح الحكم الذاتي.

4 – 1 .أهم مخرجات المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة بأكادير (20 – 21 دجنبر 2019)

إن من أهم مضامين المناظرةالوطنية الأولى بلورة تقييم تشخيصي أولي لتنزيل الجهوية المتقدمة بعد أربع سنوات من إطلاقها والتأكيد على ضرورة الانتقال من الإطار القانوني إلى الفعل الترابي الميداني، مع بروز مطلب عقلنة العلاقة بين الدولة والجهات وتحسين النجاعة المؤسساتية والتركيز على هندسة مالية جديدة للجهات، بجانب إبراز الحاجة إلى منظومة مدمجة للموارد البشرية الترابية.

4 – 2 .أهم توصيات المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة بأكادير (2019)

من التوصيات المركزية لندوة أكادير تفعيل اللاتمركز الإداري في بعده الحقيقي عبر نقل الاختصاصات والوسائل.

  • اعتماد برنامج وطني لتقوية قدرات المنتخبين والموارد البشرية للجهات.
  • تسريع إخراج ميثاق اللاتمركز ومراجعة النصوص التنظيمية للجهات.
  • إعادة هيكلة منظومة التمويل الجهوي، خصوصًا عبر:
    • تحويلات مالية مستقرة ومتوقعة،
    • موارد ضريبية جديدة،
    • تنسيق الاستثمارات العمومية على المستوى الجهوي.
  • تعزيز آليات التعاقد بين الدولة والجهات بمنطق النتائج والفعالية.
4 – 3 .تقييم لمخرجاتالمناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة بأكادير

إن التقييم الموضوعي لمخرجات المناظرة الأولى يعتبر أن المناظرة شكّلت لحظة تشخيص دقيق، لكنها بقيت غارقة في العموميات، بحيث طغى عليها الطابع التقني دون ربط حقيقي بالإصلاح السياسي والمؤسساتي، مع غياب الجرأة في تقييم أعطاب المركزية المُفرطة وضعف حضور البعد المجتمعي والديمقراطي في النقاش.

4 – 4 .أهم مخرجات المناظرة الوطنية الثانيةللجهوية المتقدمة بطنجة (20 – 21 دجنبر 2024)

إن من أهم مضامين المناظرةالانتقال من التشخيص العام إلى الوقوف على تجارب نموذجية في التدبير الجهوي وإبراز استدامة الاختلالات المتعلقة بالتمويل والترسانة القانونية بجانب التقييم النسبي لتفعيل ميثاق اللآتمركز الإداري والتطرق إلى العلاقة بين الجهة ومؤسسات الدولة الترابية.

4 – 5 .أهم توصيات المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة (2024)

من التوصيات المركزية لندوة طنجة المراجعة الشاملة للقوانين التنظيمية للجهات وللجماعات الترابية 111.14 – 112.14 – 113.14 وتسريع تنزيل اللاتمركز وربط نقل الاختصاصات بنقل الموارد المالية والبشرية، إضافة إلى تمكين الجهة من قيادة السياسات الترابية المندمجة والبرامج الاستثمارية الكبرى ووضع نظام للحكامة الترابية يرتكز على التعاقد متعدد الأطراف (الدولة – الجهة – الفاعلين الاقتصاديين) بجانب إحداث نظام معلوماتي جهوي موحد للتخطيط والتتبع مع تعزيز آليات مراقبة الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة وإعطاء موقع أقوى للجهة في تنزيل النموذج التنموي الجديد.

4 – 6 .تقييم لمخرجات المناظرة الوطنية الثانيةللجهوية المتقدمة بطنجة

إن المناظرة الثانية كانت أكثر واقعية ودينامية، ولامست أعطابًا بنيوية، لكنها ظلّت أسيرة المقاربة التقنية دون جرأة سياسية في مساءلة تركيبة السلطة الترابية، مع محدودية إشراك الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني القاعدي وغياب منظور واضح حول العدالة المجالية والتمييز الإيجابي للمناطق المهمشة.

ورغم التقدم الملموس في مناظرة طنجة، ما يزال مسار الجهوية المتقدمة تقنيًا، بيروقراطيًا، وبعيدًا عن الرؤية السياسية الديمقراطية التي تشكل جوهر هذا الورش.

I–5 . المدخل الخامس: النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية ودوره في دعم مسار الحكم الذاتي

يشكل النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي أعطيت انطلاقته سنة 2015، بتوجيهات ملكية، وتم تقدير غلافه المالي بما يفوق 77مليار درهم، محطة مفصلية في مسار تعزيز استقرار وتنمية الصحراء المغربية ضمن رؤية وطنية تقوم على العدالة المجالية، وتقوية القدرات المؤسساتية للجهات، وإرساء اقتصاد جهوي تنافسي. ويأتي هذا الورش في سياق سياسي يتميز بتعزيز مكانة مقترح الحكم الذاتي كحلّ واقعي وعملي للنزاع الإقليمي حول الصحراء، وفق ما تؤكده القرارات المتواترة لمجلس الأمن، والدعم الدولي المتزايد لهذا التوجه.

5 – 1 . خلفية إطلاق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية

يعتمد النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية على رؤية جديدة تراهن على الإنسان والجهوية والاستثمار المنتج بتبني مقاربة تتوخى تجاوز المقاربة التقليدية المرتكزة على الدعم والاقتصاد الريعي وترمي إلى إدماج الأقاليم الجنوبية في الدينامية الوطنية والإفريقية، بتطوير نموذج اقتصادي يثمن الموارد المحلية ويخلق فرص الشغل ويعزز الحكامة الترابية والجهوية المتقدمة كرافعة لنجاح مقترح الحكم الذاتي.

5 – 2 .مرتكزات النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية (2015)
العدالة المجالية وتكافؤ الفرص

يرتكز النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية على تمكين ساكنة الأقاليم الجنوبية من خدمات اجتماعية وبنى تحتية تضاهي باقي الجهات.

الاستثمار المنتج بدل اقتصاد الريع

يتوخى النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية وضع حد منظم لمظاهر الريع المرتبطة بالصيد البحري وغير ذلك، مقابلتشجيع الاقتصاد المقاولاتي ودعم المقاولات الشابة وخلق سلاسل إنتاج محلية.

البنية التحتية الإستراتيجية

إعطاء الانطلاقة لمشاريع ضخمة شكلت أساساً لاندماج المنطقة في محيطها الوطني والإفريقي.

تثمين الثقافة الحسانية كمكوّن وطني

جعل الثقافة الحسانية دعامة للهوية الوطنية الموحدة ومتعددة المشارب، في انسجام مع الدستور.

ترسيخ الجهوية المتقدمة

وذلك بتعزيز صلاحيات الجهات في:إعداد الميزانيات الجهوية وتحديد الأولويات وتدبير الاستثمارات وإشراك الساكنة في اتخاذ القرار.

 5– 3 .مراحل تحول النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية :من مرحلة التأسيس إلى مرحلة الإقلاع
(أ) المرحلة الأولى : مرحلة التأسيس وربط الأقاليم الصحراوية بالوطن الأم (1975 – 1999)

خلال هذه المرحلة، ركزت الدولة على:ربط التراب الوطني(الطرقات، الكهرباء، الماء الشروب) وبناء الإدارات والمرافق الأساسية مع دعم القطاعات الاجتماعية (السكن، التعليم، الصحة، …).وتشير الأرقام التقديرية إلى استثمارات عمومية يتراوح مجموعها ما بين 10 و 15 مليار درهم، مع نسبة التعميم الكهربائي تجاوزت 65 % مقابل أقل من 20% سنة 1975، فيما ارتفعت نسبةالتمدرس إلى أكثر من 80 في نهاية التسعينات، مع بناء أكثر من 500 كلم من الطرق المصنفة.

(ب) المرحلة الثانية : مرحلة ترسيخ البنية الاقتصادية والاجتماعية (2000–2014)

تميزت هذه المرحلة بالتركيز على سياسات اجتماعية مرفوقة بتعزيز البنية الإنتاجية، وذلك بضخ استثمارات رئيسية لتنمية قطاع الصيد البحري (محطات التفريغ، وحدات التثمين) وتشييد مشاريع في مجال التحول الطاقي (مزارع الرياح بطرفاية والعيون وبوجدور) مع تحسين عرض الصحة والتعليم.ووصل مجموع الاستثمارات العمومية إلى حوالي 40 مليار درهم، بدعم الاقتصاد الاجتماعي عبر آلاف المشاريع المدرة للدخل، وبناء المستشفى الجهوي بالعيون وتوسيع مستشفيات الداخلة وكلميم مع تحقيق %98 من نسبة الربط الكهربائي.

(ت) المرحلة الثالثة: مرحلة النموذج التنموي الجديد(2015–2024)

تم إطلاق هذا النموذج بميزانية إجمالية قدرها 77 مليار درهم وفق اتفاقيات مشاريع مهيكلة، تهمالبنيات التحتية(الطريق السريع تيزنيت – العيون – الداخلة (1000 كلم) – ميناء الداخلة الأطلسيتوسيع مطار العيون والداخلة – مشاريع الماء الصالح للشرب والطاقة) ومشاريع في القطاعات الاقتصادية (مخططات التنمية الفلاحية – مناطق لوجستيكية وصناعية – مشاريع تحلية مياه البحر في الداخلة والعيون) إضافة إلى مشاريع في القطاعات الاجتماعية (مشروع المستشفى الجامعي بالعيونتأهيل دور الشباب، ودعم الرياضة والثقافة – برامج محاربة الهشاشة)

5- 4 .الأهمية الاقتصادية للمسار التنموي في دعم الحكم الذاتي
اقتصاد جهوي تنافسي وقابل للاستدامة

يمثل الناتج الداخلي للأقاليم الجنوبية اليوم حوالي 4 % من الناتج الوطني مقابل أقل من 1 % سنة 1975. وتُنتج المنطقة أكثر من 65 % من فائض الصيد البحري الوطني. كما تعد الأقاليم الصحراوية أحد أهم مواقع إنتاج الطاقات المتجددة بالمنطقة (مواقع :طرفاية، العيون، بوجدور)

جذب الاستثمارات الخاصة

عرفت الأقاليم الصحراوية ارتفاع اللاستثمارات الخاصة بـ نسبة 67 % ما بين 2015 و 2022، وعدديا، ازدهرت عشرات الوحدات الصناعية الجديدة في قطاعات واعدة مثل الصيد والفلاحة والطاقات.

البنيات التحتية كقاطرة للتنمية الجهوية

إن البنيات التحتية المهيكلة تعزز موقع الجهات الجنوبية لتتحول إلى قطب لوجستيكي أطلسي–إفريقي، وتدعم تجارة العبور، وربط شمال المغرب بجنوبه وبعمقه الإفريقي. (الطريق السريع + الميناء الجديد … كنماذج)

5- 5 . الأهمية الاجتماعية للمسار التنموي في دعم الحكم الذاتي
(أ) تحسين مؤشرات التنمية البشرية

تشير المعطيات الإحصائية الرسمية إلى أن الأقاليم الصحراوية عرفت نسبة التمدرس فاقت 95 % فيما تعدت التغطية الكهربائية 99 % و نسبة الولوج للماء الشروب 92 % مع انخفاض مؤشرات الفقر والهشاشة إلى مستويات أقل بكثير من المتوسط الوطني.

(ب) تعزيز الاستقرار الاجتماعي

كمؤشرات دالة، تم خلق آلاف فرص الشغل للشباب ودعم المبادرات الاقتصادية النسائية بجانب توسيع الحماية الاجتماعية ومنظومة الدعم.فالتنمية الشاملة تقلل من الهشاشة وتخلق مناخاً ملائماً لتفعيل مؤسسات الحكم الذاتي في المستقبل، مما يعزز من تماسك النسيج المجتمعي.

(ت) صيانة الهوية الحسانية

تم في هذا الإطار تعزيز موقع الثقافة الحسانية كمكوّن رئيسي في الهوية الوطنية، إضافة إلى تمويل مشاريع ثقافية تقوي موقع الثقافة المحليةبأزيد من 500 مليون درهم. وهو ما يساهم بشكل كبير في دعم الاندماج الوطني وتعزيز الانتماء.

II .رهانات البناء الجهوي وموقع جهة سوس ماسة على ضوء مقترح الحكم الذاتي

يشهد المغرب اليوم مرحلة نوعية في تكريس الجهوية المتقدمة، مدعومة بالدينامية التي أحدثها مقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية كصيغة ديمقراطية حديثة لتدبير المجال. وتفرض هذه الدينامية إعادة التفكير في الأدوار الاستراتيجية للجهات، وفي مقدمتها جهة سوس ماسة، باعتبارها فضاءً محورياً يربط شمال المملكة بجنوبها ويشكل رافعة أساسية لتوازن السياسات الترابية والتنموية.

II – 1 .رهانات وطنية مرتبطة بمقترح الحكم الذاتي والتحول الجهوي

1.1.  .الارتقاء بمنسوب اللامركزية واللاتمركز

أرسى مقترح الحكم الذاتي نموذجاً متقدماً في نقل الاختصاصات وتوسيع صلاحيات التدبير الترابي، مما يجعل باقي الجهات مدعوة إلى تطوير آليات اشتغالها لتقليص الفوارق المؤسساتية وضمان انسجام المنظومة الجهوية. ويكمن الرهان في الارتقاء بقدرات التخطيط والتدبير المالي والتنفيذي للجهات وربطها برؤية وطنية موحدة.

2.1.  .تأهيل النخب الجهوية وتعزيز القدرات

نجاح التحول الجهوي رهين بوجود نخب مؤسساتية قادرة على تنزيل السياسات الجهوية وفق معايير الحكامة الجديدة. ويشمل ذلك تطوير منظومات التكوين، وإرساء ثقافة تدبيرية حديثة، وبناء آليات مستقلة للتقييم والمساءلة، بما يتماشى مع متطلبات الحكم الذاتي والأدوار الواسعة التي ستضطلع بها الجهات مستقبلا.

3.1.  .إصلاح الإدارة الجهوية وتبسيط المساطر

تقتضي التحولات الجهوية تحديث الإدارة عبر الرقمنة، وتفويض الصلاحيات، وإعادة هندسة المساطر، وتفعيل اللاتمركز الإداري بشكل فعلي. ويُعد تسريع وتيرة التنفيذ وإزالة التعقيدات البيروقراطية شرطاً أساسياً لنجاح النموذج الجهوي الموسع.

4.1.  .العدالة المجالية وإعادة توزيع الثروة

يسائل مقترح الحكم الذاتي النموذج التقليدي لتوزيع الاستثمارات الوطنية، ويدفع نحو عدالة مجالية أوسع. وبالتالي تبرز الحاجة إلى سياسات منصفة لإعادة توزيع الموارد، وتحسين جاذبية الجهات الأقل حظاً، وتقليص الفوارق الترابية من خلال دعم القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية.

II – 2 .رهانات جهة سوس ماسة في السياق الجهوي الوطني

1.2.  .التحول الاقتصادي وإعادة بناء النمو الجهوي

تعرف الجهة تحولات عميقة تمس القطاعات التقليدية (الفلاحة، السياحة، الصناعة)بجانب الطاقات المتجددة. ويبرز رهان بناء نموذج اقتصادي جديد يعتمد على تنويع الأنشطة وتثمين سلاسل القيمة وتطوير الصناعات التحويلية، إضافة إلى تعزيز الربط اللوجستيكي بين أكادير والأقاليم الجنوبية للمملكة.

2.2.  الأمن المائي كرافعة للتنميةالجهوية

يمثل الماء أهم تحديات الجهة بفعل ندرة الموارد وتزايد الضغط على الفرشات المائية. وتحتاج الجهة إلى استراتيجية متكاملة تربط الأمن المائي بمنظومة التنمية الجهوية، وتشجع على الاستثمارات في التحلية والتدبير الحكيم للطلب والابتكار المائي وإعادة استعمال المياه.

3.2.  تعزيز مكانة الجهة داخل منظومة الجهوية المتقدمة

بحكم موقعها الاستراتيجي في وسط المغرب، فإن الجهة مطالبة بتقوية حضورها المؤسساتي والتنموي لبناء مكانة تنافسية أمام باقي الجهات في ظل النموذج المتقدم للحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية للمملكة. ويتطلب ذلك تحسين جاذبية الاستثمار وتطوير اختصاصات الجهة وتعزيز دورها في الربط الاقتصادي واللوجستيكي بين الشمال والجنوب.

4.2.  تقوية الإدارة الجهوية وتفعيل اللاتمركز

تعاني جهة سوس – ماسة من محدودية في الموارد البشرية المتخصصة وتداخل في الاختصاصات القطاعية. وهنا يبرز رهان إنشاء إدارة جهوية فعالة ذات قدرات تنفيذية عالية، مع تسريع تنزيل ميثاق اللآتمركز لضمان تنسيق أفضل بين المصالح اللآممركزة والإدارة الجهوية.

5.2.  .الاندماج الاجتماعي وتعزيز الهوية الثقافية

تمثل جهة سوس – ماسة نموذجاً للتنوع الثقافي (أمازيغي، حساني،…). ومع توسع صلاحيات الجهات، يصبح الرهان هو تعزيز الاندماج الاجتماعي وتثمين الرأسمال الثقافي ودعم المشاركة المواطِنة وإشراك الشباب والنساء في آليات القرار الجهوي.

II – 3 .رهانات وفرص تنموية مستقبلية (على المديين المتوسط والبعيد)

1.3.  .بناء قطب جهوي استراتيجي في وسط المغرب

من المتوقع أن يتحول محور (أكادير – تزنيت – طاطا – طانطان – الداخلة) إلى قطب اقتصادي وتجاري واجتماعي مندمج، يدعم العلاقات الترابية والاقتصادية بين الجنوب والشمال، ويُعزز مكانة الجهة كمحرك أساسي للمبادلات الإفريقية.

2.3. تعميق الجهوية المالية

يمثل الانتقال إلى تمويل جهوي مستقل (حصة ضريبية، موارد ذاتية، شراكات مبتكرة) أحد الشروط الضرورية لنجاح الجهوية. ومن المنتظروالمتوقع أن توسَّع الجهة مستقبلاً صلاحياتها المالية لتدبير مشاريع كبرى بكفاءة واستقلالية.

3.3.  ترسيخ الديمقراطية الجهوية

تتطلب المرحلة الجديدة تحسين جودة التمثيلية وإرساء آليات الديمقراطية التشاركية ودعم الحكامة الترابية وتطوير مجالس استشارية متخصصة تعزز القرار الجهوي.

فالتحولات التي فرضها مقترح الحكم الذاتي،ستضع الجهات المغربية أمام منعطف حاسم نحو نموذج تدبيري متقدم، يقوم على تفويض موسع للاختصاصات في ظل عدالة مجالية وحكامة شفافة. وفي هذا السياق، تبرز جهة سوس ماسة كفاعل استراتيجي يمتلك مؤهلات اقتصادية، جغرافية، وثقافية تمكنه من لعب دور محوري في ربط الشمال بالجنوب والمساهمة في إنجاح التجربة المغربية في اللآمركزيةواللآتمركز.

وتتوقف فعالية هذا المسار على ثلاثة محددات أساسية تتمثل في :تقوية الحكامة الجهوية والمؤسسات وتنويع الخيارات الاقتصادية وضمان الاستدامة المائية بجانب تأهيل النخب وتعبئة الرأسمال البشري

III .خلاصات وتوصيات عامة

6- 1 . أهم الخلاصات

يعتبر الحكم الذاتي امتدادا طبيعيا لمسار بناء الدولة المغربية الحديثة، كما تشكل الجهوية واللامركزية بُنية ضرورية لإنجاح هذا النموذج.وتثبت التجربة التنموية بالأقاليم الجنوبية قابلية التطبيق ونجاعة النموذج المغربي.

ولا بد من الإقرار بوجود تكامل موضوعي ومؤسساتي بين مبادرة الحكم الذاتي والدستور المغربي لسنة 2011، الذي أرسى دعائم الدولة الجهوية القائمة على التدبير الحر والتفريع والتعاقد، وجعل الجهات في موقع صدارة الجماعات الترابية. كما يتأكد بأنّ ورش اللآمركزيةواللآتمركز، بما تراكم فيه من إصلاحات منذ سبعينيات القرن الماضي، يشكّل بنية تحتية مؤهِّلة لنجاح الحكم الذاتي، رغم الاختلالات التي ما زالت تعيق الانسجام والفعالية الترابية.

فمنذ سنة 2015، شكل النموذج التنموي في الأقاليم الجنوبية، رافعة اقتصادية واجتماعية قوية، تُبرهن على قدرة الجهات الجنوبية على قيادة التنمية وإدارة شؤونها المحلية بكفاءة، مما يعزز صدقية المقترح المغربي أمام المجتمع الدولي، ويمنح المؤسسات المنتخبة الصحراوية شرعية إضافية في تدبير شؤونها الترابية في إطار السيادة المغربية.

كما أنّ الحكم الذاتي، ليس مجرد خيار سياسي، بل هو امتداد طبيعي لمسار بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، وركيزة لتحقيق الاندماج الوطني، واستراتيجية لمواجهة التحديات الجيوسياسية، ووسيلة لضمان الاستقرار، وتقوية اللحمة الوطنية، وصناعة نموذج مغربي متقدم للحكامة الترابية.

6- 2 . توصيات ختامية
(أ)  استكمال نقل الاختصاصات للجهات الجنوبية

يتعين التسريع في تحويل الاختصاصات الأساسية في الصحة، والتعليم، والاستثمار، والثقافة، والتعمير، إلى المؤسسات الجهوية المنتخبة، بما يمنح نموذج الحكم الذاتي مضموناً فعلياً وعملياً.

(ب) تقوية الموارد المالية الذاتية للجهات

في هذا الإطار، لابد من إصلاح الجبايات المحلية، وتفعيل الصندوقين الخاصين بالجهوية المتقدمة، وإقرار آليات تمويل تضامنية تضمن استدامة مالية لنظام الحكم الذاتي.

(ت) دعم الاستمرار في الاستثمار بالأقاليم الجنوبية

يتعين دعم الاستمرار في الاستثمار بالأقاليم الجنوبية مع التركيز على القطاعات المبتكرة (الطاقات النظيفة، التكنولوجيا، الاقتصاد البحري، السياحة الرياضية، … )

(ج) ترسيخ حكامة ناجعة للآتمركز الإداري

هنا، وجب التسريع في تنزيل اللاتمركز الإداري، وتجديد آليات الحكامة الجهوية، مع تحديد دقيق لأدوار الولاة باعتبارهم منسقين لا وصاة، وتسريع تنزيل الهيكلة الجديدة للمصالح اللاممركزة، مع تفويض القرار القطاعي على المستوى الترابي.

(د) تعزيز قدرات الموارد البشرية والمؤسسات الجهوية

لا بد من اعتماد مخطط وطني للتكوين الترابي، يتضمن رقمنة الخدمات، تحسين الكفاءة، واعتماد أدوات التخطيط والتقييم الحديثة، بما ينسجم مع توجه الحزب لبناء “دولة الكفاءات”.

(س) ترسيخ المشاركة المواطِنة والديمقراطية التشاركية

وذلك بإدماج المجتمع المدني، والفعاليات النسائية والشباب، في بلورة وتتبع السياسات الترابية، وتفعيل آليات الديمقراطية التشاركية المنصوص عليها دستورياً.

(ص) توسيع الدبلوماسية الحزبية والمدنية

يتعين تنشيط الدبلوماسية الحزبية والمدنية، لشرح جدوى الحكم الذاتي وارتباطه بالمسار التنموي.

(ط) استثمار التجربة التنموية في الأقاليم الجنوبية كرافعة سياسية

في هذا المجال يتعين تحويل المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية المحققة منذ 2015 إلى عناصر قوة لدعم مبادرة الحكم الذاتي على المستويين الإقليمي والدولي، مع تعزيز أدوار المجالس الجهوية المنتخبة في قيادة التنمية.

(ع) تقوية العدالة المجالية وتنويع النموذج الاقتصادي الجهوي

الانتقال من نموذج يعتمد على البنيات التحتية إلى نموذج تنموي يعتمد على الطاقات المتجددة، الاقتصاد الأزرق، الاقتصاد الاجتماعي، والأنشطة المبتكرة وتقوية المحطات اللوجيستيكية نحو العمق الإفريقي أضحى ضروريا، بما يعزز مزيدا من الاندماج الاقتصادي للجهات الجنوبية في النسيج الوطني.

(ف) بناء نظام تقييم وتتبع مستقل للسياسات الترابية

إنه يتعين، من باب الحكامة، إحداث آلية وطنية-جهوية للتقييم، تُعنى بقياس أثر السياسات الجهوية، وتضمن ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتستجيب لمعايير الحكامة الجيدة.

(ق) تعزيز المرجعية الوطنية لمبادرة الحكم الذاتي

وهنا وجب التذكير بضرورة توحيد وملاءمة مختلف الأوراش الترابية (الجهوية، اللاتمركز، التنمية) في رؤية وطنية موحدة، تجعل من الحكم الذاتي امتداداً استراتيجياً لمسار إصلاح الدولة وتحقيق التنمية المستدامة والاندماج الوطني.

 (م)الانتقال من منطق “تدبير النزاع” إلى “بناء المستقبل

يُظهر النموذج التنموي أن المغرب لا ينتظر الحل السياسي، بل يبني نموذجاً جاهزا لاستقبال الحكم الذاتي.

إن النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية يشكل اليوم أحد أقوى الأدلة الملموسة على قدرة المغرب على تفعيل نموذج متقدم من الحكم الذاتي، يرتكز على تنمية شاملة، وجهوية قوية، واستثمار ذكي للموارد المحلية.
وتبقى مسؤولية الأحزاب السياسية أساسية في مواكبة هذا المسار، من خلال التأطير والاقتراح والدفاع عن مقاربة سياسية وتنموية وحدوية، مستمدة من قيم العدالة المجالية والوحدة الوطنية.

وهنا لا بد من التأكيد على أن البعد الديمقراطي للجهوية هو رافعة أساسية لتحقيق تنمية مستدامة وعدالة ترابية، وأن تحسين آليات الرقابة القانونية، وتحرير المبادرة المحلية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، هي شروط ضرورية لإنجاح هذا الورش الوطني الكبير.

عبد اللطيف أعمو









الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الموقع الرسمي للمستشار البرلماني عبداللطيف أعمو © www.ouammou.net © 2012