?>

أنظمة التقاعد بين الديمومة ومحدودية التغطية

retraite

خلال الجلسة الشهرية الخاصة بمساءلة رئيس الحكومة حول السياسات العمومية و التي كان موضوعها ” التقاعد بين ديمومة الأنظمة و محدودية التغطية” المنعقدة يوم الأربعاء 09 يناير 2013 تدخل الأستاذ عبد اللطيف أعمو باسم فريق التحالف الاشتراكي(حزب التقدم والاشتراكية ) في إطار التعقيب على أجوبة رئيس الحكومة وسؤال الفريق في الموضوع الذي قدمه المستشار احمد الرحموني.

ونورد ضمن هذه المادة الاخبارية نص سؤال الفريق وجواب السيد رئيس الحكومة على أسئلة الفرق والمجموعات البرلمانية إضافة إلى تعقيب فريق التحالف الاشتراكي بلسان عبد اللطيف أعمو ثم تعقيب السيد رئيس الحكومة على مجمل التعقيبات على جوابه.. بالصوت والصورة:

نص سؤال فريق التحالف الاشتراكي (بلسان المستشار أحمد الرحموني) 

نص جواب السيد رئيس الحكومة على مجمل أسئلة الفرق والمجموعات البرلمانية

نص تعقيب الفريق بلسان المستشار عبد اللطيف أعمو 

نص تعقيب السيد رئيس الحكومة على مجمل تعقيبات الفرق البرلمانية

وتعميما للفائدة نورد فيما يلي النص الكامل لمداخلة الأستاذ أعمو:

لخفض الإنفاق العمومي وإصلاح أنظمة التقاعد

نحن في حاجة إلى جرعة قوية  من الشجاعة السياسية 

أدركت الحكومة الجديدة مباشرة بعد تعيينها أن أمامها تحديات كبرى تتمثل في وضعية اقتصادية حرجة تجعل من خياراتها المستقبلية خيارات استراتيجية صعبة ومؤلمة.

فبنسبة نمو ضعيفة وبإيرادات للدولة لا تحقق الموازنة المطلوبة وبنسب بطالة في ارتفاع مطرد بدأت الحكومة سنتها الأولى. ومن المؤكد أن تعرف سنة 2013 نفس المنحى، طالما استمرت الأزمة الاقتصادية بنفس الحدة لدى شركائنا المباشرين، وتستمر في بسط آثارها على اقتصادنا الوطني.

لقد جاء البرنامج الحكومي بالتزامات حاسمة مثل تحقيق نسبة نمو محددة في 5.5% ، وتخفيض نسبة البطالة إلى 8% في أفق  2016، مع الحرص على ضبط نسبة التضخم في حدود  2%والرجوع التدريجي لنسبة عجز الميزانية في حدود 3%  من الناتج الداخلي الخام. هذه التحديات وغيرها تقتضي تحريك كل رافعات الاقتصاد الوطني بقوة، وعلى رأسها الرفع من مداخيل الدولة وتطوير موارد المالية العمومية.

ويبقى من أصعب الخيارات، على الحكومة أن تحدد أين وكيف ستقتصد في نفقاتها العمومية؟ وهذا يعني أي ميزانية سيتم خفضها؟ وأي سياسة عمومية يجب مراجعتها؟ وفي أي قطاع يتوجب تحقيق الاقتصاد في النفقات؟

لقد أكدت الحكومة على ضرورة تطوير الموارد المالية العمومية، عبر إصلاح المنظومة الضريبية، ومراجعة نظام الإعفاءات الغير مبررة، وتغيير المقاربات، وعصرنة طرق العمل والتدبير، باعتماد مفهوم الحكامة.

وكل هذه الالتزامات إيجابية، والهدف منها هو تحسين آليات التحكم في إنفاق المال العام. لكن إعادة تقويم السياسات العمومية في مجال الشغل والسكن والصحة والتعليم ودعم المقاولة… وغيرها بهدف تمكين الحكومة من تمويل السياسات العمومية بشكل أكثر نجاعة وفعالية وشفافية وتعزيز الموارد وترشيد النفقات يعني إعادة النظر في أسس منظومة التمويل العمومي والتضامن الوطني. وكلها خيارات اجتماعية صعبة ومؤلمة.

وهنا تأتي أهمية أنظمة التقاعد، التي عادت بحدة وبإلحاح إلى واجهة اهتمامات الحكومة، بعد أن تفادت الحكومات السابقة، ولعقود، محنة الخوض فيها، رغم بروز شبح الإفلاس الذي ظل يهدد ديمومة ونجاعة أنظمة التقاعد التي تواجه تحديات ديمغرافية ومالية كبرى. وطال أمد تشخيص الداء، فكانت أول دراسة تحليلية سنة 2000، أعقبتها دراسة ثانية سنة 2002، وجاءت توصيات المناظرة الوطنية حول إصلاح أنظمة التقاعد سنة 2003. وجاء مكتب دراسات دولي محايد ليقدم تقريره النهائي سنة 2010 ويخلص إلى ضرورة التعميم في الزيادة من نسب الاقتطاعات لتصل إلى 20% إلى جانب خطة إصلاح مبنية على توحيد نظام التقاعد الأساسي وتعميمه على الساكنة النشيطة، والاعتماد على مبدإ التنقيط كمرجعية لمنح التقاعد.

إن الهدف المعلن من إصلاح صناديق التقاعد هو الحد من تدهور وضعيتها المالية، ووضع خطة عمل ناجعة لتجنب إفلاس احتياطات أنظمة التقاعد، وحفظ كرامة المتقاعد المغربي حاضرا ومستقبلا.

 واليوم، نحن أمام سيناريوهات أحلاهـــا مـــر…

فالنمو الديمغرافي سيعرف ارتفاعا مهما، إذ ستنتقل ساكنة المغرب خلال الأربعين سنة المقبلة من 33 مليون إلى 42 مليون في أفق 2050، مع ارتفاع في نسبة المسنين (المغاربة الذين تفوق أعمارهم 60 سنة سيصل عددهم إلى 10.1 مليون نسمة بحلول 2050)، مما سينعكس مباشرة على نظام التقاعد، وخصوصا فيما يتعلق بمعدل المساهمات  والتعويض والانخراط وسن الإحالة على التقاعد. وتقدر المندوبية السامية للتخطيط الاختلال في التوازن بين نفقات وموارد أنظمة التقاعد المتعددة، وبالتالي انخفاض الفائض المالي لمجموع صناديق التقاعد في 0.3 % من الناتج الداخلي الخام.

إن الدين المتراكم من طرف الصناديق الأربعة وصل نهاية سنة 2008 إلى ما يقارب 1.200 مليار درهم٬ من بينها 17 في المائة فقط تغطى من طرف احتياطات مالية. ولامتصاص هذا العجز، دون أن يؤدي المساهمون فاتورته، يرى البنك الدولي أنه يتوجب ضخ حوالي 50 مليار دولار طيلة 50 سنة المقبلة. وهذا تحدي آخر يضاف إلى التحديات التي على الحكومة رفعها… بشجاعة وبسرعة.

فقد أكدت الحكومة في تصريحها الحكومي سعيها إلى إصلاح مندمج لنظام التقاعد بما يحفظ توازنه المالي واستدامته وتوسيع قاعدة المستفيدين من أنظمة التقاعد لتشمل المهن الحرة، والقطاع غير المنظم والصناعة التقليدية والفلاحة والصيد التقليدي الساحلي والتعاونيات وذلك وفق منهجية تشاركية مع الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، مع العلم أن النظام الحالي لا يغطي إلا 27 % من الناشطين المشتغلين. كما التزمت الحكومة كذلك بالعمل على تحسين حكامة تدبير صناديق التقاعد بما يضمن نجاعة مردوديتها واستدامتها وجودة خدماتها.

إن الحفاظ على التوازنات الهشة لصناديق التقاعد في أفق 2029 صعبة المنال. ويرى الملاحظون أنه من الصعب إجراء هذا الإصلاح على المدى القصير، نظرا لكلفته الاجتماعية الباهضة.

إن ورش الإصلاحات الهيكلية، وعلى رأسها إصلاح نظام التقاعد، تنتظره جرأة سياسية وشجاعة وسرعة في اتخاذ القرارات الحازمة، ومن ضمنها الحرص على عدم إلقاء كل ثقل أداء الفاتورة على كاهل الطبقات الوسطى والفئات الهشة، وإلزام الميسورين ببذل الجهد المالي الضروري لتحقيق ديمومة ونجاعة نظام التقاعد.

هنا أيضا ستحتاج الحكومة إلى رباطة الجأش وشجاعة المواقف، لأن في ذلك سر نجاحها، وفيه فوق ذلك مصلحة الوطن والمواطن، لأن لإصلاح نظام التقاعد راهنية وحساسية كبيرة، ويعد عماد التضامن بين الأجيال. كما يستحق منا المتقاعدون المغاربة – الذين أفنوا زهرة عمرهم في خدمة هذا الوطن – أن نجعل من وضعيتهم معيارا ونموذجا لسياسة اجتماعية تضامنية وعادلة ومنصفة في مستوى مطامح هذه الأمة (التي جاءت في تصدير الدستور) للأمن والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة .

إننا أمام موضوع هام وشاسع، و لن تكفي الدقائق المخصصة لنا بطرح كل تصوراتنا وأفكارنا بخصوصه، لذلك سنركز على بعض النقط التي نراها جوهرية مؤكدين على ما يلي:

1- أن قضية إصلاح منظومة التقاعد قضية تهم كل المجتمع وكل فعالياته ومكوناته، وليست قضية حكومة أو طرف دون آخر، لذلك فهي لا تتحمل لا مزايدات مجانية، و لا مزيد من التأخير الذي ستؤدي الأجيال المقبلة ثمنه غاليا، و بالتالي فيه ضرر لمجتمعنا وبلدنا.

فمنذ حوالي عشر سنوات تنجز دراسات، و تبلور حلول و مقترحات، و قد أن الأوان ، إن لم يكن قد تأخر، لاتخاذ قرار سياسي، يحضى بالتوافق ودعم كل الأطراف بكل مسؤولية. وعلى الحكومة، أن تبادر بوضع مقترحها للإصلاح في اقرب وقت، و تطرحه أمام المجتمع برمته و أمام ممثليه في كل درجات التمثيلية، ومنها البرلمان من طبيعة الحال، ليكون النقاش الوطني حول هذا الموضوع الجوهري متمحورا حول الحلول وليس حول تشخيص الأزمة التي يعرفها الجميع….

2- إن إصلاح منظومة التقاعد يندرج ضمن الإصلاحات الكبرى التي يجب أن تتم بشكل متوازي، ومنها أساسا صندوق المقاصة و النظام الجبائي، لأنها تتعلق كلها بالتمويل والمصاريف وتدبير المال العام، كما ترتبط بمفهوم المجتمع المتضامن الذي ينص عليه تصدير دستورنا الجديد.

3- إن إصلاح منظومة التقاعد، كما نتصور، ليس مجرد إصلاح تقني يهدف إلى ضمان التوازنات المالية و تأمين أداء المستحقات المالية للمنخرطين في المنظومة فقط، بل هو إصلاح اجتماعي في العمق ، ينبغي أن يهدف ، إضافة إلى معالجة الأزمة ، تمكين كل المغاربة من الحماية الاجتماعية، و إيجاد صيغ لإدماج كل السكان النشطين في المنظومة. فلكل مغربي، مهما كان  مجال نشاطه، الحق في الحصول على معاش بعد وصوله لسن معينة….

فلا يمكن أن نتحدث عن مجتمع تضامني يعيش عصره، و الحماية الاجتماعية لا تشمل إلا أقل من 30%  من أعضائه النشيطين… فالولوج إلى نظام للتغطية الاجتماعية ينبغي أن يكون حق لكل مواطن مغربي نشيط.. إنه معيار للتقدم الاجتماعي و العيش في هذا العصر…

لذلك ندعو إلى إدماج كل الفئات النشيطة، في كل مجالات الحياة الاقتصادية، ضمن منظومة متكاملة للتقاعد، بناء على مفهوم التضامن بين الأجيال، لكن أيضا التضامن بين كل الفئات المكونة للمجتمع. ونتساءل بهذا الخصوص عن مصير الضمان الحرفي والضمان البحري، وندعو إلى مأسسة الصناديق الخاصة ببعض الفئات مثل المهن الحرة، و الالتفات إلى العالم القروي حتى لا يضل نظام التقاعد مقتصرا، على العموم، على المجال الحضري. إن كل ذلك يفرض إرساء منظومة متكاملة للحماية الاجتماعية و ليس مجرد أنظمة فئوية ومنفصلة خارج مفهوم التضامن و التماسك الاجتماعي.

4- إن من ضمن الأسباب التي أدت إلى الأزمة التي تهدد صناديق التقاعد ضعف أو غياب الحكامة، سواء من حيث التدبير الإداري أو التدبير المالي، و لا يمكن لأي إصلاح أن ينجح بدون تدبير ديمقراطي و شفاف وبدون حسن تدبير مدخرات المشتركين.نقول ذلك ونحن نستحضر الضياع المالي الضخم الذي كشف عنه تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التي شكلها مجلسنا في وقت سابق، نتيجة سوء تدبير المدخرات، ومنها سوء تدبير التفاوض حول نسبة الفوائد لدى المؤسسات المالية التي توضع فيها المدخرات المالية.

5- إن تركيزنا على إصلاح أنظمة التقاعد و إنقاذها من الإفلاس لا يجعلنا ننسى وضعية المتقاعدين حاليا، وبعض القضايا المطروحة و التي على الإصلاح الشامل أن يعالجها ومنها:

–  خلق آليات فعلية و ناجعة حتى يحترم كل المشغلين القانون، و أساسا التصريح بجميع الأجراء و بأيام عملهم الحقيقية لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، علما أن الصندوق يتلقى تصريحات ناقصة، سواء من حيث عدد الأجراء أو عدد ساعات العمل الفعلية.

–   إقرار سلم متحرك للمعاشات وربط الزيادة فيها بالزيادات العامة في الأجور. فلا يعقل أن يبقى مبلغ المعاش قارا بينما كل تكاليف الحياة في تزايد.

ونسجل بهذا الخصوص مبادرة الحكومة للتخفيف من الضريبة على دخل المتقاعدين من خلال خصم 50% من المبلغ الإجمالي للمعاشات الخاضع للضريبة.

–   توحيد المعايير سواء بالنسبة للاقتطاعات أو أداء المعاشات بين القطاعين العام و الخاص، أي إعمال نفس نسب الاقتطاع ونفس مبالغ المعاش.

–  إقرار حق الأزواج من الذكور بدون دخل و لا تغطية اجتماعية من معاشات زوجاتهم المتوفين، على غرار الزوجات الآرامل، مادام أن مبدأ الاشتراك والإقتطاع واحد، وعملا بمبدأ المساواة بين الجنسين الذي أقره الدستور.

–  إقرار الدولة لإجراءات مواكبة، مثل نوادي المتقاعدين، و تخفيضات في بعض الخدمات ، و إمكانية الاستفادة من خبرات وكفاءات بعضهم في مجالات محددة خارج نطاق الوظيفة العمومية.

تلكم، أيها السيدات و السادة، بعض القضايا التي ارتأينا ،في فريق التحالف الاشتراكي ،إثارتها في هذا النقاش الهام، ونحن متأكدون أن الحكومة ، بتوجهها و بحسها الاجتماعي، والتزامها أمامنا وأمام الشعب، ستأخذ بها كلا أو جزء في بلورتها لإصلاح شامل وعميق في مستوى طموحاتنا جميعا.









الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الموقع الرسمي للمستشار البرلماني عبداللطيف أعمو © www.ouammou.net © 2012