?>

عموري مبارك، الفنان المجدد في ذمة الله

وداعاpsd

غادرنا إلى دار البقاء في الساعات الأولى من صباح يوم السبت 14 فبراير 2015، المبدع الأمازيغي المجدد، عموري مبارك.

وبرحيل عموري مبارك، فقدت الساحة الفنية الغنائية والموسيقية الأمازيغية بحق أحد أعمدتها، حيث أسس الفقيد لمدرسة فنية متميزة في مجال الأغنية الأمازيغية  من خلال  انتماءه للمجموعة الغنائية “أوسمان”  و بعدها من خلال مساره الفردي في عالم الغناء واللحن.

ويعتبر الفقيد من رواد الأغنية الأمازيغية، حيث قاد في بداية السبعينات مجموعة ” أوسمان ” الشهيرة، وظل وفيا لنهجها المتجدد في هذا اللون الغنائي إلى أن وافته المنية رحمه الله.

وكانت قصيدة “تكنداوت” بمعنى “النفاق” بالعربية فاتحة مشوار فني رائع ومتألق لمجموعة “أوسمان” التي لم تعمر طويلا. لكن المسار الفني لعموري مبارك لم يتوقف مع العمر القصير للمجموعة. فجاءت مرحلة التجربة الفردية ليبدع فيها عموري مبارك مجموعة من الأغاني الجميلة، حيث ألف وغنى العديد من الأغاني الأمازيغية الخالدة، وأطرب أجيالا من الأمازيغ ومحبي الموسيقى بمفهومها الكوني عبر العالم.

لقد غادرنا صاحب أغنية “جانفيلييي” للشاعر المرحوم أحمد أزايكو التي صورت معاناة مهاجري سوس بفرنسا، باسم إحدى مدن الضاحية الباريسيةGennevilliers  التي تأوي المهاجرين المغاربيين بكثرة، والتي حصل بفضلها على الجائزة الوطنية الأولى للأغنية المغربية في المحمدية سنة  1989

إن عموري مبارك لم يكن فنانا عاديا، بل كان فنانا استثنائيا، ومبدعا واسع الثقافة والآفاق، وكان إنسانا متواضعا، يتقن العديد من اللغات، وكان حاملا لمشروع فني، ظل وفيا له، و حاول من خلاله الارتقاء بالأغنية الأمازيغية نحو العالمية، باعتبارها رافدا من روافد الثقافة الوطنية والإفريقية الأصيلة… فاستمد إلهامه وجذور إبداعه من التراث الشعبي الأصيل ولقحه بعطاءات التيارات الموسيقية الحديثة. كما ساهم رحمه الله في إحداث طفرة نوعية في جميع جوانب الأغنية الأمازيغية ، قصيدة ولحنا وغناء، وطور مسار القصيدة الشعرية الأمازيغية المعاصرة، وظل حتى آخر حياته وفيا لطموح تطوير الثقافة والأغنية الأمازيغية المغربية.

لقد أفلح  في نشر عدوى الفن الراقي، وأفلح في أن ينقل إلينا مجموعة من القصائد الأمازيغية القديمة، ويخلدها بصوته وبألحانه، وأفلح في أن يسكن وجدان معاصريه في ارتباط نصوصه الغنائية بتيمة “الهجرة” و”الحرية” والارتباط بالأرض وباللغة وبالشعر وباللحن الجميل.

لقد عرفنا، نحن معاصروها، وسنعرف بفضله الأجيال التي ستأتي بعدنا، بدرر  الإبداع الأمازيغي. ولقد أوصلها لنا بقالب فني جميل ومطرب. وسنتولى من جهتنا إيصالها إلى الأجيال القادمة. مما سيجعلنا نفتخر بحق بهويتنا وبغنى ثقافتنا الوطنية وبانتمائنا الحضاري.

وستبقى هذه المدرسة الفنية ولادة، لأن موهبة عموري مبارك لا تسعها جغرافية الأطلس، وستبقى نبرات صوته ولحنه العذب حاضرة في ذاكرتنا إلى الأبد.

لقد كانت مشيئة المرحوم عموري مبارك أن يوارى الثرى بمسقط رأسه، حيث فتح عينيه لأول مرة في بلدة إيركيتن بنواحي تارودانت في سنة 1951، وعاش فيها طفولة قاسية مريرة، لكنه لم يتنكر لها ولم يدر لها ظهره. وهي رغبة في العودة إلى الأصل… أصل الوجود وأصل الإبداع والعطاء والبساطة.

وفي علاقته الخاصة والمتميزة بتيزنيت، لا بد من التذكير بأنه من غريب الصدف أن تكون أولى المحطات الهامة في حياته الفنية في تيزنيت، حيث كان لقاؤه الأول خلال حفل فني مع الأستاذ ابراهيم أخياط، الذي دعاه آنذاك للالتحاق بمجموعة فنية كانت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي تنوي إحداثها بالرباط للتعريف بالموروث الثقافي والفني الأمازيغي بنبرة عصرية وتجديدية. فكانت ولادة مجموعة “أوسمان” التي تعتبر من أول المجموعات الغنائية الأمازيغية التي وظفت الإيقاعات والآلات العصرية وأدمجتها مع النمط التقليدي للغناء الأمازيغي. وهو ما ساهم بشكل كبير، ومنذ سبعينات القرن العشرين، في تشكل نوع من الوعي العصري والتحديثي في مجال الأغنية والثقافة الأمازيغية ككل.

كما أن من جميل الصدف أن تكون آخر محطة فنية لعموري مبارك، قبل أن تشتد معاناته مع المرض، بتيزنيت،  بمناسبة الاحتفال برأس السنة الأمازيغية 2964.

لقد كانت للفقيد صداقات قوية بالأسر التيزنيتية وبفناني ومبدعي تيزنيت، وأتقدم بالمناسبة بتعازي القلبية الخالصة لأصدقائه المقربين، وأخص بالذكر كلا من الأستاذ موزي محمد والأستاذ محمد حافيظي (أبوعلي) والأستاذ محمد دادسي والفنان المقتدر حسن إدباسعيد … وغيرهم كثير.

لقد أحب المرحوم عموري مبارك مدينة تيزنيت، وأحب أهلها بصدق، ومدينة تيزنيت أحبته كذلك بسخاء.

ومن تيزنيت، كانت وصيته الأخيرة بالاهتمام بشجرة أركان… من خلال التركيز على المعاني العميقة لقصيدة Taghoyyit n’wargan  أي صرخة أركان:

وهي من كلمات الفنانة والشاعرة فاطمة تبعمرانت، ومن تلحينه رحمه الله، فيما التوزيع الموسيقي لعادل عيسى، وتكلف الفنان المشهور رشيد أسلال بالإدارة الفنية وحسن كريم بالعلاقات العامة، وشارك في أدائها كل من فاطمة تبعمرانت، عموري مبارك، علي شوهاد، الباتول المرواني، علي فايق، ماليك، حسن إدباسعيد، خالد البركاوي، أحمد أماينو، العربي إمغران، فاطمة تاشتوكت، هشام ماسين، زورا تانيرت، إضافة الى مجموعة من الموسيقيين الآخرين.

أمام هذا المصاب الجلل – الذي لا راد لقضاء الله وقدره فيه – أتقدم إلى عائلته الصغيرة وإلى أصدقائه ومحبيه ومعارفه وعشاق فنه وكافة الأسرة الفنية والموسيقية الوطنية، بتعازي القلبية الخالصة.

 عبد اللطيف أعمو









الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الموقع الرسمي للمستشار البرلماني عبداللطيف أعمو © www.ouammou.net © 2012