?>

المنتدى البرلماني للعدالة الاجتماعية

7c233890-476a-4b3c-b905-c52b6369cbd0

بدعوة من رئيس مجلس المستشارين، شارك المستشار البرلماني عبد اللطيف أعمو، ممثلا لمجموعة العمل التقدمي بمجلس المستشارين، في أشغال الندوة البرلمانية للعدالة الاجتماعية، التي تقرر عقدها خلال اجتماع مكتب المجلس يوم فاتح فبراير 2016.

 وقد تميزت الجلسة الافتتاحية بتلاوة الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك إلى المشاركين في أشغال الندوة البرلمانية:

وخلال اليوم الثاني (السبت 20 فبراير 2016) ألقى البرلماني عبد اللطيف أعمو كلمة باسم المجموعة البرلمانية هذا نصها:

 كلمة باسم مجموعة العمل التقدمي بمجلس المستشارين (بصيغة PDF)

قررت هيئة الأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 10/62 إعلان الاحتفال سنويا بيوم 20 فبراير كيوم عالمي للعدالة الاجتماعية منذ الدورة  63  لجمعيتها العامة في سنة 2008، بالنظر للأهمية المحورية لمطلب العدالة الاجتماعية على المستوى الشعبي، وبارتباط مع مركزيته في عمل واستراتجيات الدول والمنظمات الدولية.

 فالعدالة الاجتماعية طموح قانوني وسياسي ومطلب أخلاقي، وفوق هذا وذاك هو شأن مجتمعي. ولا غرابة أن تشكل محطة 20 فبراير 2011  وما اصطلح تسميته ب “الربيع الديمقراطي” فرصة تصدرت فيها مطالب “العدالة الاجتماعية” قائمة المطالب الشعبية الملحة – بجانب الكرامة – إبان الحركات الاحتجاجية الجماهيرية بكل من تونس وليبيا واليمن وسوريا ومصر والمغرب وغيرها.

وهو ما جعل العدالة الاجتماعية مطلبا يكتسي أهمية بالغة، إعلاميا وسياسي ومؤسساتيا، بل وأصبح موضوع نقاشات فكرية عديدة، ومن ضمنها هذا ” المنتدى البرلماني ” الذي ينظمه مجلس المستشارين تحت شعار: “تنمية  الكرامة الإنسانية  لتمكين العيش المشترك “

ومن الأهداف  المعلن عنها لهذا المنتدى البرلماني الدولي  النهوض  بأدوار العمل البرلماني في ترسيخ  العدالة الاجتماعية، وتوسيع وتعزيز النقاش  المجتمعي  والحوار الديمقراطي وطنيا حول شروط ومسؤوليات الالتزام بمواثيقها الدولية وبآلياتها الأممية ومرتكزاتها الدستورية، وتطوير الاجتهاد المعرفي والتشريعي والسياسي حول تنفيذ قواعدها  في السياسات  والعلاقات العمومية في أفق تحسين منظومتنا المعيارية الوطنية انطلاقا من الممارسات الدولية الفضلى  في هذا المجال.

إن المنطلق الدستوري محفز لاستشراف معالم نموذج وطني متوافق عليه حول العدالة الاجتماعية، حيث ينص تصدير الدستور المغربي على ” أن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.”

كما ينص الفصل 35 على أن الدولة ضامنة لحرية المبادرة والمقاولة، والتنافس الحر. كما تعمل على تحقيق تنمية بشرية مستدامة، من شأنها تعزيز العدالة الاجتماعية، والحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية، وعلى حقوق الأجيال القادمة.

والأكيد كذلك أن مسؤولية الالتزام بالمواثيق الدولية وبالآليات الأممية كفيل بالرقي بمقومات العدالة الاجتماعية. فكلما طبَّقنا على أرض الواقع بنود حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا، كلما حققنا عدالة اجتماعية أكبر، وكلما تطلعنا إلى إصلاحات مجتمعية عميقة، وإلى جعل مكسب المواطنة الحقة للجميع أساس الانتماء والضامنً للديمقراطية والعدالة والمساواة.

إن تحديات تحقيق العدالة الاجتماعية ترتبط بعضها بالبعد الدولي، وبعضها الآخر بتراكمات تاريخية وبإكراهات سياسية ومجالية وتنموية، لكن هذه التحديات والرهانات لا تعفي الدول والحكومات في أية حال من واجباتها والتزاماتها السياسية والاجتماعية والقانونية والأخلاقية، حتى أضحت شرعية أي نظام حكم ومستوى حكامته ونجاعته مرتكزة بالأساس على مدى قدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية لكافة المواطنين.

وهو ما يبرز الحاجة لنهج مقاربات التنمية القائمة على الاستدامة واحترام حقوق الإنسان بشكل يحقق التمتع الفعلي للمواطنين بالحقوق الأساسية، ويأخذ بعين الإعتبار قدرات الدولة والحاجة للتدرج التراكمي في تلبية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية (العيش الكريم – الغذاء – السكن – الصحة – التعليم – الشغل – …).

وإذا تحققت الإرادة السياسية، يمكن وضع معايير وأهداف ومؤشرات لتحقيق العدالة الاجتماعية وقياس مداها وتأثيرها على رفاهية الشعوب.

ورغم التنوع الكبير في مفهوم العدالة الاجتماعية، وخضوع حدوده لتغييرات مستمرة، لكون الفكرة هي في حد ذاتها ثمرة لنظام قيمي وثقافي متغير، فمن أبرز العناصر الواجب توفيرها لتحقيق العدالة الاجتماعية: المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص، بجانب التوزيع العادل للموارد وتحقيق العدالة الجبائية مع توفير الضمان الاجتماعي لأوسع شرائح المجتمع، وتوفير المواد الأساسية للمواطنين مع ضمان العدالة بين الأجيال وتحقيق شروط الاستدامة.

ونظن أن توفر الإرادة السياسية الحقيقية لجعل مسألة العدالة الاجتماعية في قلب النقاش العمومي، وفي جوهر القضايا المطروحة على المجتمع المدني والحقوقي و السياسي رهين بتحقيق العدالة في قطاعات أساسية وفي مجالات عديدة، ومن ضمنها:

1)     المجال الضريبي والجبائي :

إن الضريبة هي شكل من أشكال التضامن الوطني والمشاركة في الجهد التنموي. وتطرح مسألة العدالة الضريبية إشكالية العدالة في توزيع الناتج الداخلي المحلي والعدالة في تحمل الأعباء العامة مع استمرار تضريب نفس الشرائح (التي تقتطع ضريبتها من المنبع) وتملص شرائح عديدة من أداء الضريبة سواء من خلال إعفاءات مجحفة  أو  بالتحايل والتهرب. وهو وضع شاذ لا يربط الضريبة بالمواطنة. وقد أصبح أمر استكمال ورش الإصلاح الضريبي في المغرب أمرا ملحا،  مع ضرورة ربط أي إصلاح ضريبي بنجاعته الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم تجاوز النظرة الضيقة إلى القطاع الجبائي باعتباره أهم مورد للخزينة العامة، في اتجاه جعل دور الجبايات دورا حقيقيا ومحوريا في رسم السياسة الاقتصادية في أفق رسم الخطوط الكبرى للنمو وإعادة توزيع الثروة في المجتمع.

2)    الولوج إلى الخدمات العمومية :

إن الخدمات العمومية مجال تميزه الجودة والاستجابة لحاجيات المواطنين والمواطنات. كما أن هذه الخدمات يجب أن تلبي مطالب الحقوق الأساسية للمواطنين والمواطنات ضمن صيرورة الحكامة الجيدة والكرامة الإنسانية. غير أنه يتضح أن واقع هذه الخدمات يتميز بقصور إجمالي على مستوى الإدماج والعدالة في تقديم الخدمات للمواطنين، وفي الولوج إلى مراكز القرار في الإدارة العمومية.

إن تحسين مستوى الولوج إلى الخدمات العمومية، وعلى رأسها الخدمات الصحية  والتربوية  والتكوينية والإسكانية أمر ضروري في مسار تحقيق العدالة الاجتماعية، وإحقاق مبدإ تكافؤ الفرص و عدالة الولوج إلى الخدمات العمومية، كل هذا بجانب إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في الولوج إلى الوظائف والخدمات العمومية.

3)  إصلاح منظومة العدالة:

إن المواطنة هي انتماء للوطن في الحقوق والحريات والواجبات، وهي تعاقد يلزم الجماعات والأفراد. ولتثبيت قوة الانتماء وتحقيق التماسك الوطني لا بد من عدالة عادلة. والمواطنة الحقة تقويها وتعززها المساواة التامة بين المواطنين والمواطنات المتعاقدين أمام القانون والواجبات والحقوق.

4)  تحقيق العدالة المجالية

إن الهندسة الدستورية للدولة بوأت مجلس المستشارين ، باعتبارها امتدادا للبنيات الترابية وبحكم خصوصياتها ومميزاتها، كفضاء تشريعي يشمل أساسا ممثلي الجماعات المحلية والهيئات الترابية،  بجانب مختلف الهيئات النقابية والمهنية والإقتصادية، فمن الطبيعي أن تستأثر العدالة الترابية بالأهمية ضمن انشغالات المجلس.

فبخصوص تفعيل مشروع الجهوية المتقدمة، أكد الخطاب الملكي لعرض مشروع الدستور على الإستفتاء، “أن المنظور الشامل للديمقراطية الحقة، ومقومات الحكامة الجيدة، لا ينحصر في إعادة توزيع السلطات المركزية، بل يقوم على توزيع السلطات والموارد بين المركز والجهات، وذلك ضمن جهوية متقدمة نعتبرها عماد الإصلاح العميق لهياكل الدولة وتحديثها

ومن ثمة، يتضح أن من الدعامات الأساسية لإنجاح المشروع الجهوي المتقدم وضع نظام للعدالة الاجتماعية على أساس تعاقد وطني صريح وواضح ينبني على أسس التضامن والتعاون على المستوى الجهوي .

إن دور الدولة مركزي ومحوري في تحمل المسؤولية كدولة اجتماعية، وفي تحقيق هذه المطالب الأساسية للمواطنات والمواطنين، بإعطاء كل فرد داخل المجتمع ما يستحقه وبتوزيع المنافع المادية، مع تحقيق أكبر قدر من المساواة في توزيع الثروات الاقتصادية و الاجتماعية في مجتمع ديمقراطي، والحرص على توفير متساو للاحتياجات الأساسية.

لكن، بحكم تدني البعد الاجتماعي في السياسات والهويات والبرامج، وما رافقه من تقصير في إنعاش النقاش العمومي حول القضية الاجتماعية على العموم، ولوضع مطلب العدالة الاجتماعية في سياقه الطبيعي كمطلب مجتمعي وكخيار استراتيجي، يتعين العمل على بلورة تعاقد وطني حول العدالة الاجتماعية، وتجاوز المقاربة السياسية الضيقة للمسألة الاجتماعية كوقود للمحطات الانتخابية فحسب.

ففكرة العدالة الاجتماعية أشمل وأعمق، وهي لا تنفصل البثة عن مفهوم “الحرية”  باعتبار أن “الحرية” حق من الحقوق الأساسية للإنسان التي لا تكتمل العدالة الاجتماعية بدونها. وفكرة العدالة الاجتماعية لا تنفصل عن فكرة حقوق الإنسان.

كما أن العدالة الاجتماعية استحقاق أساسي للإنسان نابع من جدارته كإنسان بالتمتع بمجموعة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهي حقوق أساسية من حقوق الإنسان، وهذا ما أكدت عليه المواثيق والاتفاقات الدولية، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وتأسيسا على ذلك، فإن دور الدولة الإيجابي وتدخلها الفاعل في تمكين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ضروري وأساسي.

فإذا كانت الحقوق المدنية والسياسية لا تحتاج لتحقيقها في غالبيتها سوى لامتناع الدولة عن القيام بكل ما من شأنه المساس بحريات المواطنين الأساسية، فالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والبيئية تحتاج من جهتها إلى جهد تنموي وإلى تظافر الموارد والإمكانيات ودعم الدولة للقطاعات المهيكلة.

إن من الأدوار الرئيسية للمؤسسة التشريعية وضع ميكانيزمات بهدف ضمان أكبر قدر من الالتقائية في السياسات العمومية في مجال العدالة الاجتماعية، إضافة إلى رسم معالم الدور المنوط بالبرلمان في بناء النموذج المغربي للعدالة الاجتماعية .

ولعل استضافة هذا المنتدى البرلماني لمناقشة إشكالية العدالة الاجتماعية لخير وسيلة لتفعيل وأجرأة الهدف الثالث من استراتيجية عمل مجلس المستشارين، والمتمثل في جعل البرلمان فضاء للحوار العمومي والنقاش المجتمعي التعددي.

وأملنا أن يفضي هذا الحوار العمومي والنقاش المجتمعي إلى إرساء آلية مستدامة لحوار عمومي تشاركي وتعددي مع مختلف الفاعلين في أفق بناء عدالة اجتماعية جديرة بهذا الوطن العزيز.

عبد اللطيف أعمو

منسق مجموعة العمل التقدمي

ولمتابعة أطوار الجلسة الافتتاحية لأشغال المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية









الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الموقع الرسمي للمستشار البرلماني عبداللطيف أعمو © www.ouammou.net © 2012