?>

الحكامة في ميدان صناعة التشريع

gouvernanceph

شارك عبد اللطيف أعمو في أشغال ندوة برلمانية خلال شهر فبراير 2007 بمداخلة في موضوع “الحكامة في ميدان صناعة التشريع” تم تحيينها في دجنبر 2011 بمناسبة مناقشة عناصر الحكامة البرلمانية، ونظرا لأهمية الموضوع نورد نص المداخلة توسيعا للفائدة ضمن مواد هذا الموقع.

الحكامة في ميدان صناعة التشريع

حتى لا يتبادر إلى الذهن أن وظيفة البرلمان تنحصر في ميدان التشريع دون غيره، ومن ثمة، فلا حاجة للحديث عن الحكامة،  نؤكد أنها كنظام  يشمل وظيفة البرلمان كمؤسسة تضطلع  بوظائف التشريع والمراقبة التمثيلية، وهي وظائف تدخل  كلها ضمن نسق الحكامة  في قلب الوظائف البرلمانية .

وبدون شك،  أن المغرب إندمج منذ مدة في رفع تحدي التنمية الشمولية بجميع أبعادها السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية ،  إلا أنه أمام آليات التقييم والتتبع  يظهر – رغم ملاحظة تقدم وتحسن في كل مراحل  تطوره في المدة الأخيرة – أن هناك حاجة متزايدة  للإصلاحات في كل المجالات أمام التزايد المهول  لظاهرة البطالة بالخصوص، وتزايد الفقر الذي أصبح  يشمل كل المناطق، وهو من شأنه  أن يهدد السلم الإجتماعي  والذي يعتبر مركز ومحور أهداف التنمية .

وأمام هذه الوضعية، لابد من البحث عن نسق وأنظمة الإستدراك وضبط وتفعيل الجدلية القائمة بين السلطات الإقتصادية والسياسية والإدارية من أجل وضع أسس لتسيير محكم ومتوازن لتنمية البلاد، وبناء أسس إنجاز مهام مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي .

ولقد ظهر نظام الحكامة الذي أفرزته الرأسمالية العالمية من خلال مقارباتها المتعددة لإشكالية التنمية، وهي تسعى من خلاله إلى إدماج قوة السوق كفاعل أساسي ضمن عناصر التوازنات المجتمعية  والسياسية والإقتصادية

ويعتني في ذات الوقت وبالدرجة الأولى بالميكانيزمات والمساطر والمؤسسات التي تمكن المواطن من الدفاع عن مصالحه وممارسة حقوقه وأداء واجباته وحل خلافاته بطرق سلمية وودية،  ومن ضمن هذه المؤسسات المؤسسة البرلمانية.

فمؤسسة البرلمان كأداة للمراقبة الفاعلة والجادة في نظام الحكامة، تطرح عدة تساؤلات حول خلق وتفعيل قدرات وضع القوانين والتشريع الملائم، وحول القدرة على حسن تدبير الترسانة القانونية والتشريعية وتحسين خدمات الإدارة، كما تثار تساؤلات جوهرية موازية حول مشاركة مكونات المجتمع المدني في ترسيخ تقليد تشريعي يعتمد على حسن التدبير.

كما تطرح إشكالية مهمة الإعلام والتواصل وتحسين أنماط مشاركة المواطنين والمستفيدين من خدمات الدولة في صنع القرار، وتختزن ديناميكية التفاعل كل العناصر الأساسية لتحقيق أهداف التنمية في مفهومها الشمولي وغيرها من مضامين التنمية المستديمة في تعريف الحكامة، وهي تعني في الواقع تغيير منظومة التواصل بين المؤسسات والمواطنين، والسعي نحو تقريب الإدارة والمؤسسات من أوسع شرائح المجتمع وإشراكها في اتخاذ القرار وبالخصوص المستضعفة منها والتي تحتاج لحماية أكبر ورعاية أشمل باعتماد عناصر المشاركة والشفافية والإسنادية وتقييم النتائج والإنتباه لرد فعل المواطنين والتفاعل مع ردود فعل المجتمع في شموليته بإيجابياتها وسلبياتها   .

وبحثا عن أهمية دور البرلمان في قلب وظائف الحكامة،  سنحاول إبراز  ذلك كأداة مؤسساتية للمراقبة من خلال الفقرات التالية :

أولا: دور المؤسسة التشريعية في نسق الحكامة

ثانيا: ملاحظات حول الواقع الراهن للمؤسسة التشريعية

ثالثا: نسق الحكامة من قلب الوظائف البرلمانية .

 أولا: دور المؤسسة التشريعية في نسق الحكومة:

لاشك أن دور الدولة في نسق الحكامة،  يقتضي إعادة تحديد مهامها الأساسية في نطاق تحرير المجتمع من عقدة قيود ماضوية،  والتخلي تدريجيا عن الخدمات ذات الطابع  التجاري والخدماتي، والتركيز أساسا على خلق التماسك الإجتماعي وعلى التنسيق بين فعاليات المجتمع،  ولعب دور الحكم وضبط التوازنات الكبرى للإقتصاد الوطني، وتكوين قاطرة  للمشاريع الكبرى ومراقبة حسن تدبيرالموارد وانفاق المال العام واتخاذ التدابير الناجعة في مجال تشجيع الإنتاج وتحقيق النمو والتقليص من  الفقر والحد من الفوارق الإجتماعية، وإدماج المرأة والفئات المهمشة في المجتمع، وضمان مشاركتها في العملية التنموية،  وضمان  وحماية احترام حقوق الأفراد والجماعات،  وحماية البيئة وتطور الخدمات العمومية،  وتطوير  قطاع العدالة  وتحديث الإطار القانوني والتشريعي للبلاد، إلا أن دور المؤسسة التشريعية في هذا الشق يتجلى في بناء مؤسسة تشريعية قوية وقريبة من المواطنين، والبرلمان المسؤول والحيوي  بجانب المؤسسة القضائية المستقلة والعادلة والمحايدة في أحكامها باعتبارهما عنصرين ضروريين لتحقيق دولة الحق والقانون ولكنهما في نفس الوقت، عنصران غير كافيان لتحقيق الحكامة الجيدة.

فالفئات المستضعفة في المجتمع أكثر حاجة للتشريع والعدالة، فإذا أحس الضعيف بأنه ممثل من طرف نخبة  مسؤولة وازداد  إحساسه بقوة القانون وعدالة القضاء، فإن  الإحساس  بالإطمئنان على نفسه وعلى ممتلكاته وعلى قدراته في المشاركة الفاعلة في بناء الحكامة، كما أن احترام المؤسسات يتقوى في نفسه ويعززه  بذلك  حريته  وهبة  المؤسسات  الضامنة  لها .

 ثانياملاحظات عامة حول الواقع الراهن للمؤسسات التشريعية :

1-  إذا كان الإطار الدستوري  قد حدد بوضوح صلاحيات المؤسسة التشريعية بجانب مؤسسات الدولة الأساسية،  فإن العوائق المرتبطة بقلة الموارد  البشرية والمادية والمالية،  وعدم تدقيق  الصلاحيات والأدوار،  وضعف الإلتجاء للتقنيات الحديثة ومصادر الأخبار المختصة  والمسؤولة،  والدور المركزي للجهاز التنفيذي  – وخصوصا في إطار تمثيلية تشريعية  متميزة  بتعدد الأحزاب –  بالإضافة  لضعف معرفة عدد غير قليل من ممثلي الأمة بالبرلمان بالإشكاليات الجوهرية التي يتدارسونها ويشرعون لها في إطار اختصاصاتهم، إضافة لقلة الكفاءات في مجال التشريع وسن القوانين، كل هذا يجعل  المؤسسة التشريعية غير قادرة على أداء مهامها بالشكل المطلوب .

2-  طغيان سلطة الحكومة خصوصا فيما يتعلق بقانون المالية، بحيث يتم وضع  مشروع قانون المالية بمكتب البرلمان بعد إعداده المسبق،  دون أن تتوفر  السلطة التشريعية على الوقت الكافي وعلى إمكانية مناقشته في العمل وبالتفصيل،  ويتجلى الأمر  بالخصوص في الإتفاقيات المالية مع المؤسسات الدولية، والتي لها وقع على الديون المترتبة على الدولة وعلى مواردها وعلى هامش تدخلاتها  لتحديد أولويات التنمية، دون مراقبة صارمة من طرف السلطة التشريعية .

وهذا ما يؤثر سلبا على وظائف اللجن البرلمانية المكلفة بالمراقبة، ويقلص من فعاليتها .

3-  رغم إقرار الضمانات الدستورية لحرية التعبير ومجال ممارستها،  فإن مراقبة وسائل الإعلام وتقنين مجالات  تدخلها، يعزز من سلطات الجهاز التنفيذي على حساب “السلطة الرابعة” ويخدم  في كل فترة تشريعية  مصالح أحزاب  الأغلبية على حساب قدرات أحزاب الأقلية عن التعبير،  ويصبح الوضع أكثر  حدة إذا طغت  الرؤى الأمنية على تصورات الجهاز التنفيذي    –  على حساب  توازن السلطات الثلاث  الأساسية (الجهاز التنفيذي – الجهاز التشريعي –  الجهاز القضائي) ويصبح بالتالي مشكل تحسين الحكامة رهينا بمدى تحقيق التعددية الحزبية وفعاليتها .

4-  ربما أن نظامنا يعتمد على التعددية الحزبية كركيزة للمشاركة السياسية،  فالمؤسسات الحزبية مدعوة لاقتراح خيارات معقولة  وجادة ومسؤولة،  وتوفر هذه الخيارات لا يمكن إلا أن يعزز الحكامة الجيدة،  ويرفع من حظوظ  نجاح وفعالية استراتيجيات تقليص الفوارق الإجتماعية والفقر وتحقيق التنمية المستديمة .

5-   إن تصورات التنظيمات الحزبية للمصلحة الوطنية ولتطلعات  المواطنين  في تعددها،  لم تبلور بعد في قالب مضبوط  ومحدد ارتباطا  بطبيعة ممارسة  السلط،  والفهم الغير الدقيق للأدوار،  وضعف الموارد،  وانعدام الشفافية  في الممارسة، وضعف ثقافة التسامح، وقلة إدراك المواطنين لحقوقهم  وواجباتهم، كل هاته الإشكاليات تتضاعف حدتها حين يتم اختيار المرشحين  بالاساس انطلاقا من انتماءاتهم العرقية والقبلية بدون الإستناد المنطقي للبرامج الحزبية ولعناصر التوفيق بين السياسي والتشريعي في عمل الأحزاب ذات الرؤى الوطنية المسؤولة والمؤطرة .

6-   كما أن السلوك الإيجابي  والجدي للأحزاب  السياسية  داخل البرلمان من أغلبية وأقلية، مرتبط  بتوفر الموارد المالية اللازمة – ومن مصادر وطنية، تضمن استقلال الجهاز – وبخصوص هذه النقطة،  يجب التأكيد على المساواة والشفافية وإلزامية المحاسبة  بشأن استعمال  الإعتمادات والدعم العمومي من طرف الأحزاب، مع ضبط المساهمات الخاصة في تمويل التنظيمات السياسية ومراقبتها من طرف الجهاز التشريعي .

7-   أن تعزيز الشبكات البرلمانية الإقليمية منها والقارية والدولية،  وشبكات البرلمانيين من جهة أخرى،  رهين بتحسين مردودية المؤسسة وخلق ديناميكية  اقتراحية  لحلول متعددة ونماذج  مطابقة ، خصوصا وأن نظام العولمة لا يمكن ان يستثني المؤسسات التشريعية  الوطنية من هذه الديناميكية،  مع الحرص على الحفاظ على المقومات الثقافية والحضارية  الأساسية لمجتمعنا والدفاع عن المكتسبات الإيجابية لتجربتنا البرلمانية الفتية .

ثالثا- نسق الحكامة في قلب الوظائف البرلمانية :

 إنتهى الفكر السياسي إلى ابتكار مفاهيم وأدوات لتأطير العمل البرلماني من خلال تصورات ذات طابع مثالي، تتجلى في مفهوم الإسنادية والشفافية والمشاركة  .

1- عناصر الحكامة:

أ- الإسناديةIMPUTABILITE  “:

هي مجموعة من القيم التي تعترف بضرورة  خدمة  أصحاب القرار والسلطة لكل المواطنين ( السلطة في خدمة المواطن) وبالزامية محاسبة المواطنين لمالكي السلطة والقرار وليس  العكس .

وتظهر هذه القيم في ازدهار وتطورفي المجتمعات التي تتوفر بها شروط التوازن الإيجابي للسلطات بين أجهزة الدولة والمجتمع المدني وقوى السوق،   بدون أن تستحوذ أي من هاته المؤسسات وحدها على وسائل مراقبة ديناميكية المجتمع،  ونفس الإلزمية تسري على علاقات مؤسسات الدولة فيما بينها  (السلطة التنفيذية  والتشريعية والقضائية ).

ولما يتم الإخلال بالتوازنات ، فإنه يترتب عن ذلك  في أخر المطاف  إضعاف  عنصر الإسنادية والتقليص من فعالية كل ما تمكنت سلطة من سلطات الدولة من الإستحواذ  على أحقية ضبط  التوازنات لوحدها ومراقبة السلطات الأخرى.

بالشفافية  ” TRANSPARENCE“:

هي منظومة قيم تكميلية لقيم الإسنادية،  ويؤكد هذا العنصرعلى ضرورة تمكين  المواطنين من المعرفة ومن المعطيات والمعلومات اللازمة بخصوص الحكامة، لكي  يتمكن المواطن والمشارك والمسؤول في أخر المطاف  من الإختيار الصائب بناء على معطيات دقيقة وسهلة المنال .

وتقتضي هذه القيم في نفس الوقت، أن يكون الحوار بين المواطنين  ومؤسسات الدولة مفتوحا ومستمرا  .

ج – المشاركةPARTICIPATION  :

تعني مجموعة من القيم التي تعترف للمواطنين بحق التأثير على خيارات الحكومة  وأهدافها ويحق لهم أن يلعبوا دورا حيويا في اتخاذ  القرارات المؤثرة على مسار حياتهم.

ويعني هذا عمليا، أن كل مواطن يتوفر على إمكانية عادلة ومنصفة  للمشاركة بغض النظر عن وضعيته الإقتصادية وجنسه وانتماءاته  الحزبية والعقائدية .

 وتفرض هذه الإلتزامات في تحققها على كل مواطن، ضرورة المشاركة الفعلية والفاعلة في الحياة العامة وتدبير شؤون البلاد .

2- التفاعل بين عناصر الإسنادية  والشفافية والمشاركة والحكامة :

إذا كانت الإسنادية والمشاركة والشفافية عناصر مستقلة فيما بينها، فإنها مدعوة للتفاعل والتكامل الإيجابي  فيما بينها لتحقيق هدف التكامل وإعطاء المؤسسة البرلمانية مكانتها ومصداقيتها المطلوبة وفعاليتها الإيجابية، في إطار الحكامة البرلمانية.

فمن الأكيد، أن الإسنادية لن تتحقق بالفعل،  إلا إذا تمكن المواطن من الحصول على المعلومات اللازمة لتكوين فكرة ورأي خاص، واتخاد قرار صائب في حق ممثليه،  وتكوين فكرة عن المردودية الفعلية لأصحاب القرار، والإرتقاء بمداركه إلى مستوى الحكم الصائب عن القرارات التي تعنيه ( الهوية الكاملة للبرلماني ونشاطه  بما في ذلك ذمته ).

وتتحقق الحكامة الجيدة،  حين يشتغل المواطن والمؤسسات في  اتجاه واحد، بحيث  تتوخى ترجمة مبادئ الحكامة ،  لأن الممارسة اليومية لاي سلطة منفردة مهما كانت قوتها وإمكانياتها، لن تستطيع ضمان توازن هذه القيم  لوحدها بمعزل عن السلطات الأخرى .

وفي نفس الوقت، تؤكد على أنه في ظل  التحولات الدولية الجديدة، فإن المؤسسة البرلمانية مطالبة بالعمل على خلق حكامة متوازنة  توازي بين اقتصاد منتج ومجتمع  مدني متحرك ومتعدد، ومؤسسات عادلة وعملية في إطار منظومة مجتمعية يؤطرها مواطنون ومشاركون معنويون بحركة مؤسساتهم وتطورها نحو الأفضل. ومن ثمة، فإن العمل التنسيقي والتكاملي  بين المؤسسة التشريعية والتنفيذية والقضائية، هو الكفيل بتحقيق الحكامة في ظروف جيدة، وتعتبر مبادئ الحكامة الجيدة المدخل الرئيسي لمعالجة  إشكالية  مساهمة المؤسسة التشريعية في ترسيخ دولة الحق والقانون انطلاقا من العناصر التي تؤطرها والمشار إليها أعلاه.

وهذا ما سيتبين من  خلال وضع الوظائف البرلمانية الثلاثية (التشريع- المراقبة -التمثيلية) داخل إطار قيم الحكامة (الإسنادية- الشفافية- المشاركة) وذلك من خلال القناعة بأن على كل برلماني أن يكون مؤسسة حيوية تربط المواطن بالدولة.

ومن هذا المنطلق،  فعلى البرلمان كمؤسسة وعلى البرلمانيين كفاعلين داخل هذه المؤسسة، أن يؤدوا وظائفهم  التشريعية والتمثيلية ووظيفة المراقبة بطريقة تحترم  وتعزز شروط الإسنادية والشفافية والمشاركة كمرتكزات أساسية  للحكامة الجيدة.

للاطلاع على الجدول  الثلاثي المستوحى  من دراسة  في الموضوع

(انقر هنا)

ولإبراز ذلك أكثر، نورد الجدول  الثلاثي المستوحى  من دراسة  في الموضوع أعدها المركز البرلماني  بكندا،  والذي يتوخى قياس الوظائف البرلمانية  الأساسية ومدى ارتباط هذه الوظائف وتفاعلها مع المميزات الأساسية  للحكامة الجيدة .

وبقدر ما نستطيع الجواب عن الأسئلة التي يطرحها هذا الجدول، نقترب من قياس  فعالية المؤسسة وعلاقتها مع المؤسسات الأخرى ومع المواطنين، وفي نفس الوقت قياس فعالية الحكامة بالمؤسسة التشريعية .

ويتبين من هذه التساؤلات، أنها ستمكن المواطنين  من إدراك ما يمكنهم بالفعل  انتظاره من المؤسسة التشريعية،  وستمكن في ذات الوقت البرلمانيين  من تصور سبل  ووسائل تعزيز قدرتهم الذاتية، وقياس فعالية المؤسسة التشريعية وتحسين خدماتها التمثيلية .

ومن خلال هذه الحركية،  يمكن التأكيد على المحاور الأربعة التالية لملامسة مدخل أهمية  الحكامة الجيدة في  ارتباطها بالمراقبة البرلمانية.

1-  إكتساب ثقافة  سياسية تعتمد التعددية في الفكروالممارسة :

يجب التذكير، على أن التعددية التي اختارها المغرب ويريدها أن تكون دعامة لتجربته الديموقراطية الصحيحة، لا تعني التعصب  أو الطائفية أو العرقية، بل تعني تعدد الإختيارات في سياق وحدة  المنطلقات والقيم ووحدة  الأهداف.

فمن ركائز العمل الإجتماعي وارتباطه بالإنتاج التشريعي الإنطلاق من قيم ومبادئ مشتركة، واختيار التقنيات واللآليات المناسبة،  وتحديد استراتيجية عمل مضبوطة للوصول إلى  الهدف المرسوم ( وهو الهدف من تقنين الأحزاب السياسية) .

ومن شأن تعزيز  الثقافة  السياسية المسؤولية :

أ : التربية على الحوار والتوافق وتنمية قدرات المؤسسة التنفيذية والتشريعية باعتبار أن فعالية الوظيفة التشريعية  تتأثر بعناصر عديدة، منها  قدرة البرلمانيين من مدارس ومشارب سياسية مختلفة على خلق جو ملائم  للحوار حول الأسئلة الوطنية الجوهرية، وهذا ما يستدعي حوار مفتوح ومسؤول بعيدا عن الحسابات  السياسية الضيقة،  مع توفر قابلية التوافق وتبادر الرأي بين البرلمانيين وبناء علاقات تعاون مع  الجهاز التنفيدي  ومكوناته،  مع احترام أدوار ووظائف المؤسسات في إطارها الدستوري،  وهو ما يمكن من حصول الإجماع في غالبية الأشغال التشريعية .

ب: دعم وتعزيز نمط الإقتراع النسبي وتوسيعه، ليشمل تمثيلية النساء على الخصوص حتى يلعبن  دورهن المنتظر منهن في المجال المؤسساتي ومواقع القرار .

ج : تحسين التواصل مع مكونات المجتمع المدني بواسطة خلق الشبكات، وذلك بتوسيع  الإنخراط في شبكات للتعاون،  والتنسيق بين البرلمانيين داخليا وخارجيا، مع بذل المجهود اللازم لإشراك منظمات المجتمع المدني الجادة والمتخصصة في المجال التشريعي والتدبير الإداري، لكي تصبح المعلومات والمعطيات المتوفرة حول العمل التشريعي والقانوني مشتركة وواسعة التوزيع على الصعيد الوطني والدولي،  وما يتطلب  ذلك من اعتماد آليات التواصل الإلكترونيكي عبر شبكات الإتصال عن بعد كوسيلة لتبادل التجارب البرلمانية والإستفادة من نظام المعطيات  المتوفرة لتكوين وتطوير قدرات البرلمانيين وتحصيلهم على المعرفة الأكاديمية  المتخصصة في المجال التشريعي، وتكوين وإعادة تكوين البرلمانيين والأطر العاملة وموظفي المؤسسة التشريعية، وهو ما من شأنه أن يعزز من تبادل  التجارب وتحسين أداء المؤسسة،  كل هذا بجانب تنشيط الديبلوماسية  البرلمانية التي ستمكن من المساهمة بشكل كبير في تحسين وظائف  الإستشارة وتبادل التجارب، بجانب التعريف  بمميزات التجربة البرلمانية المغربية .

2تعزيز التمثيلية السياسية ووظائفها:

 أ : التعددية داخل المؤسسة التشريعية :

إن الإنتقال من اقتصاد مراقب ومقنن إلى اقتصاد المواطن،  والتطور السريع للتقنيات الحديثة،  وتعميم وسائل الإتصال،  والإهتمام الزائد  بالإقتصاد المعتمد على المعرفة  والإدماج المستمر للإقتصاديات العالمية  في منظومة تتعدى  نطاق الدولة وسيادتها، وبروز التكتلات الجهوية والدولية للرساميل وتدبيرالموارد، كلها عناصر مؤثرة على المشهد السياسي الوطني .

كما أن التحولات العميقة التي لم تعد تعترف  بالحدود والتوسع، فمشروعية القواعد الدولية وتأثيرها على القواعد الوطنية،  تعتمد كلها على مدى قدرة الجهاز التنفيذي  لكل دولة على مسايرتها  بالإرتكاز على تحقيق السلم والتوازن الإجتماعي، وعلى مدى استعداده في إطار ضوابط دستورية لتقاسم السلطة والمسؤوليات مع الاجهزة  الأساسية الأخرى للدولة.

كل هذا يجعل التعددية السياسية  ترتبط بعناصر اكتساب ثقافة حداثية  ومسؤولة، ولا تعني “بلقنة” المشهد السياسي،  بل تعني الإلتزام بالإنخراط بفعالية في مشروع وطني جماعي عن طريق  الكشف عن هدف  مشترك، وتشخيص هذا الهدف وتحديد ارتباطه  السياسي، والشفافية بعيدا عن كل هاجس يحركه الصراع بين تعدد الإنتماءات السياسية .

بذلك، فتطبيق مبدأ التعددية يتحقق بدعم الإجراءات القانونية الوقائية والعقابية ضد التمييز في ممارسات الحقوق والواجبات  المدنية والسياسية، وكذلك بتشجيع  التعبير الإيجابي للطاقات المختزنة في النوع والعدد  والتعدد الجغرافي والثقافي واللغوي  ببلادنا .

ويمكن ترجمة هذا المبدأ، بتعزيز الشراكة  المؤسساتية في الحقل التنموي وتشجيع  التكتلات الحزبية  المسؤولة والإتحادات في الحقل السياسي لتعزيز روح  التعددية داخل المؤسسة  التشريعية بوضع الصلة بين المبادئ  الأساسية للسلوك الجماعي التي تعتبر مصدر القانون، وبين التوجهات الأخلاقية التي تعتبر مصدر  التصرفات الفردية المسؤولة.

لذلك، يتعين إعتماد الميثاق السياسي من أجل مجتمع مسؤول ومتعدد ومتعاون من شأنه أن يساهم في بلورة كل هذه الأفكار، إلى ممارسة سياسية وقانونية وإدارية تضمن  للتنمية الإقتصادية والإجتماعية المستديمة  شروط نجاحها وسبل تعزيزها.

ب : التوفيق بين التمثيلية بالدائرة الإنتخابية والتمثيلية الوطنية :

تعتبر يقظة المواطنين ودرجة وعيهم بمسؤولياتهم السياسية من محددات طبيعة العلاقة بين المنتخب ودائرته التمثيلية،  فالتكوين الأخلاقي على ممارسة المواطنة  يجب أن يكون عملية مستمرة تشرك في ديناميكياتها مكونات المجتمع المدني والقطاع  الخاص على السواء،  بجانب المؤسسات المنتخبة  والمؤسسات التربوية.

إن تعزيز التكوين العام في المجال الحقوقي للناخبين، يساهم في تعزيز الفهم الجيد  لوظائف البرلمانيين والمواطنين على حد سواء، ويحسن من مستوى المشاركة السياسية.

من العناصر الأساسية للتمثيلية البرلمانية،  ومن المؤشرات على حسن الأداء البرلماني، الحرص على الإستشارة التلقائية والمنتظمة للناخبين بالدوائر الإنتخابية، مع الفهم الجيد  للخصوصيات المحلية ولطبيعة الإشكاليات المرتبطة  بالواقع المحلي  والوطني.

فالمواظبة على الحضور والإنصات المنتظم لانشغالات المواطنين بالدوائر الإنتخابية  وإدراك الإرتباط بين الإشكاليات المحلية والقضايا والإنشغالات الوطنية،  والإستعمال الواسع لوسائل الإعلام لإخبار الرأي العام بالأنشطة البرلمانية، واعتماد اللغة واللهجات المحلية لإيصال الخطاب، عناصر ضرورية  لتعزيز المشاركة الواسعة للمواطنين  في بناء المؤسسات .

ويمكن أن تشارك الجمعيات المحلية والمنظمات غير الحكومية ومكونات القطاع الخاص في هذه الأنشطة الإعلامية  والتحسيسية،  معززة بتمويل  من مصادر وطنية.

وعلى ممثلي الأمة بالبرلمان والمنتخبين بشكل عام،  أن يكونوا قدوة  ونموذجا للحكامة الجيدة، وهذا يعني أن عليهم أن يلتزموا في برامجهم  بما يستطيعون تحقيقه بالفعل،  وأن لا يؤسسوا قناعاتهم السياسية بناء على مصالح ذاتية  أو قبلية أو سياسوية ضيقة .

والجدير بالذكر في هذا السياق، أن المواطنين يعتبرون  البرلمانيين كصلة  وصل بين مستوى المركزي  والمحلي،  ومن هذا المنظور،  فعلى ممثلي الأمة  أن يبلوروا  الأسئلة ذات البعد الوطني  في صيغها المحلية  التي لها وقع مباشر على حياة الأفراد، وتأثير مباشر ومردودية  تنموية على أنشطة الجماعات،  كما أنه ينظر للبرلماني على أنه مدعو للمساعدة  المباشرة للمواطنين من تشغيل وتدخل لحل  المشاكل الإدارية،   كما يرجى منه  من جهة أ خرى  دعم المشاريع  التنموية المحلية كشق الطرق وتجهيز المرافق  الإجتماعية الأساسية، أو حضور اللقاءات والتجمعات والأنشطة الثقافية وغيرها، وعلى المؤسسة التشريعية بذل الجهد  لتخصيص برنامج تحسيسية لتفسير أدوار البرلمانيين الأساسية، وتنظيم برامج تربوية تهيئ المواطنين لتقبل ثقافة  تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

3تحسين وظائف اللجن البرلمانية وميكانيزمات المراقبة البرلمانية:

يعتبر الدور التشريعي  كأداة لتدقيق التشريع وجودته والرفع من مستواه،  والمتمثل في دراسة القوانين ومقترحات  القوانين ورفع التقارير للجلسة العمومية، بجانب دور البرلمان  كألة فاعلة  للمراقبة من خلال  استدعاء  وزراء من الحكومة   للإستماع إليهم  في قضايا تهم  قطاعاتهم  ومناقشتهم  في مخطط تنفيذ  السياسية  الحكومية القطاعية  الجوانب الجلية  للوظائف البرلمانية ، وتنضاف  إليها وظيفة  التواصل مع مختلف مكونات المجتمع من جمعيات ومنظمات غير حكومية ومع الهيئات  الدولية والشخصيات،

ويتعين كذلك تنشيط العمل البرلماني من خلال خلق فرق عمل ولجن طارئة تتكلف بالقضايا القطاعية  وإعداد التقارير في مجالات متخصصة  مرتبطة بالسياسة العمومية كمجال حقوق الإنسان وتنمية العالم القروي  وقضايا المرأة والتشغيل ومحاربة الأمراض  المعدية والأوبئة وغيرها  .

إضافة إلى خلق امتدادات تنسيقية داخل لجن مجالس الجهات والمجالس  عمالات وأقاليم من أجل تطوير الحكامة الشمولية وربط التنمية المحلية بالتنمية الوطنية  .

لا شك أن لجن التقصي تضطلع بتوجهات  ذات أهمية بمكان ، وتساعد السلطة التنفيذية  على وضع  يدها على  مكامن الخلل  في مختلف القطاعات التابعة لها.

لذلك،  يتعين أن تكون المبادرة  القائية وباستمرار للتقصي في كل  المجالات التي يتدخل فيها مجال التشريع ومجال مالية الدولة  والمالية العمومية، دون أن يكون ذلك مسبوقا  بأية إشارة أو تحريك  خارجي ، وأن يتم  بشكل متواصل ودائم كلما ظهر ما يستوجب  ذلك:

4 ـ  تحسين المراقبة البرلمانية  وبالخصوص مراقبة الميزانية :

لكي تكون المراقبة البرلمانية  فعالة وبالخصوص  فيما يتعلق بميزانية الدولة، يجب  إعتماد علاقة شراكة منسجمة  بين مؤسستي  الدولة التشريعية منها والتنفيذية .

تقنيا، يجب الإتفاق  حول ميكانيزمات  متابعة مشروع القانون المالي في إطار اللجن  البرلمانية فيما يخص النفقات العمومية .

على البرلمان أن يتوفر  كذلك على معطيات دقيقة حول المالية العمومية وطرق  تدبيرها بوضع أخصائيين  في المجال رهن إشارة البرلمانيين، أو باستشارة  المنظمات غير الحكومية المهتمة بالموضوع.

 5- تحسين مدارك البرلمانيين وقدرات الموظفين البرلمانيين :

يجب بذل المجهود للرفع من قدرات البرلمانيين  المعرفية  بتنظيم أيام تكوينية وحلقات توجيه  منتظمة حول المقومات الأساسية  للحكامة، وتعزيز  هذا التكوين  بتدريبات  عملية حول الجوانب التقنية  لوضع القوانين و تحرير النصوص التشريعية  وتشجيع التقنيات  الحديثة،  وتوفير المعطيات  وتعزيز دور ووظائف  الخزانة البرلمانية بالوثائق اللازمة لذلك.

ويجب كذلك توفير مساعدة الأخصائيين في المجال التشريعي والقانوني   للبرلمانيين القادرين على البحث  والتحليل، واقتراح  النماذج الدقيقة وترجمة  السياسات والتصورات إلى واقع تشريعي  بشكل يضمن للبرلمانيين  دراية واسعة  ودقيقة بمكامن  الضعف والقوة، وتعزيز قدراتهم على النقد البناء  لسياسات التنمية الإقتصادية و الإجتماعية للبلاد.

عرض “الحكامة في ميدان صناعة التشريع”

عناصر الحكامة البرلمانية (دجنبر 2011)









الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الموقع الرسمي للمستشار البرلماني عبداللطيف أعمو © www.ouammou.net © 2012